مونيكا حنا عالِمة آثار مصرية وعميدة مؤسِّسة لكلية الآثار والتراث الثقافي، تحوّلت خلال الأيام الماضية إلى محور جدل واسع حول معنى الهوية المصرية وحدودها بين العِرق والثقافة ودور الإرث الفرعوني في السردية الوطنية المعاصرة، ما أشعل “عاصفة الهوية” في الفضاءين الإعلامي والبحثي بمصر.
وتستند رؤيتها إلى أن الحضارة المصرية هوية ثقافية متراكمة تتجدد ولا تُختزل في نقاء عِرقي، وهو طرح يتقاطع مع دعوتها إلى “تفكيك إرث الاستعمار” في علم المصريات وإتاحة المعرفة الأثرية بالعربية للجمهور المحلي.
من هي مونيكا حنا؟
تشغل مونيكا حنا موقع العميد المؤسس لكلية الآثار والتراث الثقافي بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، وهي باحثة وناشطة معروفة في ملفات حماية الآثار واسترداد المنهوب منها.
ونالت تقديراً مهنياً من هيئات أكاديمية عربية على جهودها في الحقل الأثري والتعليمي خلال العام الجاري، ما يعكس حضورها المؤسسي إلى جانب حضورها الإعلامي.
لماذا اشتعل الجدل؟
تحوّل خطاب حنا حول “الهوية بوصفها ثقافة لا عِرق” إلى صاعق نقاش عام، خاصة مع سياق نزاع السرديات حول مصر القديمة وأحقية تمثيلها المعاصر في الإعلام والثقافة الشعبية.
وتقاطعت هذه الموجة مع إرث جدل مسلسل “الملكة كليوباترا” على نتفليكس وما استدعاه من أسئلة حول التأويلات “الأفروسنتريك” وحدودها العلمية والجمهورية، وهي ملفات علّقت عليها حنا مراراً بالتركيز على المنهج والمعرفة العامة لا الاستقطاب الهووي.
هوية مصر بين العِرق والثقافةتؤكد حنا أن مصر تاريخياً “بوتقة” تداخلت فيها الثقافات لتنتج هوية متجددة، وترى أن ربط الانتماء بمعادلات العِرق والجينات طرح إقصائي يختزل التاريخ الحي في تصنيفات جامدة.
وتدعو إلى مشاركة الهوية وفتحها أمام جميع مواطنيها بوصفها نتاج تفاعل طويل، مع التحذير من احتكار تعريف “من هو المصري” خارج معايير المعرفة العلمية والمواطنة.
معارك الحوكمة الأثرية
برز اسم حنا بقوة في الجدل حول مشروع “استكمالكسوة” هرم منكاورع، إذ وصفت الفكرة بأنها “استحالة” علمية وأشبه بـ“تبليط” الهرم، ما حرّك نقاشاً واسعاً حول إدارة المواقع الأثرية ومعايير الصيانة.
كما تقدّمت ببلاغ قانوني ضد عالم الآثار زاهي حواس متهمةً إياه بمخالفات تتعلق بتمويل بعثات تنقيب خارج الأطر المنظمة، في مسعى تقول إنه يستهدف صون قواعد العمل الأثري والشفافية.
تفكيك إرث الاستعمار واسترداد المنهوباتتطرح حنا مشروعاً لـ“إزالة الاستعمار” عن علم المصريات عبر ديمقراطية الوصول للمعرفة وإعادة المركز للجمهور المصري، وتوسيع استخدام العربية في الإنتاج المعرفي الأثري وترى أن استعادة روائع مثل رأس نفرتيتي وحجر رشيد هدفٌ واقعي مدعوم بتحولات رأي عام غربي متنامٍ يعتبر حيازة مقتنيات منهوبة إرثاً غير أخلاقي للمتاحف.
بين النقد والدفاعيواجه طرح حنا انتقادات حادة من تيارات تتوجّس من “تسييل” معنى الهوية أو مما تعتبره تساهلاً مع سرديات وافدة، فيما تردّ بالتشديد على المعايير العلمية ورفض أي وصاية عِرقية على التاريخ المصري.
ويكشف هذا الاشتباك عن فجوة بين هويات متخيلة وسردية مواطنة ثقافية، ويعيد طرح سؤال من يملك حق الكلام باسم “مصر” وأين تقف حدود العلم أمام الاستقطاب.
العاصفة التي فجّرتها مونيكا حنا ليست حدثاً عابراً، بل مرآة لصراع سرديات على هوية مصر بين إرث فرعوني مُعولم ورهانات حداثية على المواطنة والمعرفة المفتوحة.
الاختبار الحقيقي يجري اليوم في ميادين الحوكمة الأثرية والتعليم العام والإعلام، حيث تُصاغ معاني الانتماء بعيداً عن العِرقية الضيقة وبمعيار علمي يليق بتاريخ مصر وثقافتها الحيّة .











