في ظلّ استمرار الحرب السودانية وتعطل مؤسسات الدولة وتراجع مواردها منذ أبريل 2023، برزت تجارة البنجو كأحد أهم روافد التمويل غير الرسمي لقوات الدعم السريع ومجموعات مسلحة محلية، لتتحول من نشاط هامشي إلى اقتصاد ظل واسع النفوذ يعيد رسم موازين القوة في إقليم دارفور.
هيمنة على مناطق الإنتاج
تتركز زراعة البنجو في مناطق جنوب دارفور، تحت سيطرة الدعم السريع خصوصًا الردوم ومحميتها الطبيعية، حيث الوعورة الجغرافية وضعف الوجود النظامي يمنحان المنتجين والمهربين مساحة حركة واسعة.
ومع انحسار أجهزة الشرطة وبسط الدعم السريع لنفوذ أكبر في المنطقة، برزت مؤشرات متزايدة على استفادة القوات من سيطرتها الأمنية في محاور الزراعة والتهريب.
وتشير تقديرات ميدانية إلى أن ما بين 80 و90% من إنتاج البنجو المحلي يأتي من هذا الحزام الحدودي الذي يمتد نحو أفريقيا الوسطى وجنوب السودان، وهو ما يجعل المنطقة نقطة ارتكاز غير معلنة لاقتصاد المخدرات.
جبايات وتمويل ذاتي
لا تدير قوات الدعم السريع عمليات الزراعة بصورة مباشرة، إلا أنها تستفيد من منظومة جباية غير رسمية تعتمد على رسوم حماية تُفرض على الحقول، وإتاوات على قوافل التهريب التي تمر بنقاط سيطرة تابعة للقوات ومجموعات حليفة، وحصص من المحصول تُقتطع مقابل السماح بالنقل عبر المسارات الوعرة وضرائب غير رسمية تُفرض على التجار وشبكات التوزيع.
هذه العوائد تُعد مصدرًا مهمًا للتمويل السريع في بيئة انهارت فيها الرواتب الرسمية وانقطعت خطوط التمويل التقليدية، ما يعزز قدرة القوات على الاستمرار في القتال عبر موارد محلية مستقلة.
شبكات تهريب عابرة للحدود
يتقاطع اقتصاد البنجو مع شبكات تهريب تمتد إلى تشاد وجنوب السودان وأفريقيا الوسطى، مستفيدة من الحدود المفتوحة وضعف الرقابة. وتُستخدم طرق جانبية داخل الأحراش لنقل الشحنات قبل وصولها إلى أسواق الاستهلاك الكبرى في الخرطوم وشرق السودان، أو عبورها نحو دول الجوار.
وتُظهر تقارير محلية أن مجموعات مسلحة في دول مجاورة تشارك في هذه السلسلة، ما يعقّد مهمة تفكيكها ويجعلها جزءًا من منظومة إقليمية ذات مصالح متشابكة.
انهيار الضبط الأمني
تراجع فعالية أجهزة إنفاذ القانون خلق فراغًا استغلته شبكات منظمة، بعضها مرتبط بعناصر في مؤسسات الدولة المنهكة. وبرزت اتهامات بتسهيل العبور أو المشاركة في الجبايات، خصوصًا مع توقف الرواتب وانهيار الانضباط الإداري.
محاولات الشرطة للسيطرة على الظاهرة—ومنها حملات واسعة في سنقو وودفاق والردوم—اصطدمت بالجغرافيا الصعبة ونقص الموارد اللوجستية، ما قلل من الأثر الردعي رغم ضبطيات كبيرة في أعوام سابقة.
وفي مناطق التعدين الأهلي، دفع توقف النشاط كثيرين إلى التحول الموسمي لزراعة البنجو بحثًا عن دخل سريع.
اقتصاد حرب يصعب تفكيكه
أصبح البنجو عنصرًا مؤثرًا في تمويل الدعم السريع، ما يجعل استمرار الفوضى جزءًا من بيئة اقتصادية تخدم مصالح المجموعات المسلحة. وطالما استمرت الحرب، سيظل هذا النشاط ركيزة مهمة في تمويل القتال، ويصعب على الدولة استعادته دون تغيّر في بنية الصراع نفسه.
.










