عملية اغتيال رئيس الأركان العسكري لحزب الله فى قلب بيروت يرفع التوتر الإقليمي
بعد أسابيع من التحذيرات بشأن بطء نزع سلاح حزب الله.. إسرائيل ترفع سقف التهديدات ، وتنفذ ضربة جوية استهدفت هيثم علي طباطبائي، نائب قائد حزب الله، ورئيس أركان حزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت، وسط تحذيرات أمريكية وإسرائيلية للحكومة اللبنانية بشأن نزع السلاح، ما يزيد احتمالات التصعيد الأمني في المنطقة.
بقلم جواد الراصد
في خطوة لم تكن مفاجئة كثيرًا، نفذت إسرائيل يوم الأحد ضربة استهدفت هيثم علي طباطبائي، رئيس الأركان العسكري في حزب الله، في الضاحية الجنوبية لبيروت. جاءت العملية بعد سلسلة من التحذيرات من القدس وواشنطن بأن قوات الدفاع الإسرائيلية ستكثف حملتها الجوية إذا لم تتحرك لبنان بسرعة أكبر نحو نزع سلاح الحزب الشيعي.
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو علنًا أن إسرائيل ستفعل كل ما يلزم لمنع إعادة تسليح حزب الله، بعد أن تعرضت الجماعة لضربات كبيرة من الدولة اليهودية العام الماضي.
وقال نتنياهو:
“نتوقع من الحكومة اللبنانية الالتزام بتعهداتها، وبالأخص نزع سلاح حزب الله. لكن من الواضح أننا سنمارس حقنا في الدفاع عن النفس كما نصت عليه بنود اتفاق وقف إطلاق النار. لن نسمح للبنان بأن يتحول إلى جبهة جديدة ضدنا، وسنفعل ما يلزم.”
وأكد مسؤول كبير في الجيش الإسرائيلي مؤخرًا لقناة 12 أن تكثيف الغارات الجوية في الأسابيع الماضية كان بمثابة “معاينة لما قد تواجهه لبنان” إذا لم تُسرّع من جهود نزع السلاح.
وأضاف المسؤول:
“إذا لم ينزع الجيش اللبناني سلاح حزب الله وفشل في تنفيذ مطالب وقف إطلاق النار، فإن إسرائيل، بدعم من الولايات المتحدة، ستشن هجمات على أهداف الحزب في كل لبنان، بما في ذلك بيروت.”

رد فعل واشنطن ودعم الضربة
رغم وجود خلافات بين الولايات المتحدة وإسرائيل حول غزة، إلا أن الملف اللبناني شهد توافقًا نادرًا بين الحليفين. فكل منهما يدرك أن أثر الردع الذي فرضه الانتصار الإسرائيلي على حزب الله العام الماضي بدأ يتلاشى، وأن أي حرب جديدة يمكن تجنبها فقط إذا أخذت الحكومة اللبنانية وحزب الله احتمال عملية عسكرية إسرائيلية واسعة على محمل الجد.
وقال مسؤول أمريكي لقناة 12 يوم الأحد:
“نحن سعداء بإقصاء الرقم الثاني في حزب الله. نرى أن هذا أمر رائع، يا الله، مبروك.”
الضربة الإسرائيلية… تنفيذ للتهديدات
بعد انتهاء القتال في نوفمبر 2024، تولى طباطبائي رسميًا منصب رئيس الأركان العسكري لحزب الله، وقاد جهود الحزب المتجددة لإعادة التسليح، وفقًا لنتنياهو، الذي شدد على أن إسرائيل لن تسمح للحزب بإعادة بناء قوته.
وقد استهدفت إسرائيل منذ توقيع وقف إطلاق النار أهدافًا لحزب الله لمنع تهديدات وشيكة وتقليص مخزونه من الأسلحة. وفقًا لبنود الاتفاق، كان على الحزب الانسحاب من جنوب لبنان ليحل محله الجيش اللبناني، على أن تكون القوات الرسمية فقط المسلحة في المنطقة.
وعلى الجانب اللبناني، واجه الرئيس جوزيف عون تحديًا صعبًا: إيجاد وسيلة لنزع سلاح حزب الله دون دفع الحزب القوي، المدعوم من إيران، إلى تصعيد قد يؤدي إلى حرب أهلية. وقد صرح الجمعة بأن “احتكار الدولة للأسلحة أمر حتمي”، داعيًا لجنة متابعة اتفاق وقف إطلاق النار إلى التأكد من أن الجيش اللبناني هو القوة الوحيدة المسلحة في جنوب البلاد.
وفي أغسطس، كلفت الحكومة الجيش بوضع خطة للقضاء على الأسلحة خارج سيطرة الدولة قبل نهاية العام. وفي سبتمبر، قدم قائد الجيش رودولف هيكل خطة من خمس مراحل لنزع سلاح حزب الله، تبدأ بجهود لمدة ثلاثة أشهر جنوب نهر الليطاني، على الحدود مع إسرائيل.
وبالرغم من أن الجيش أزال آلاف الصواريخ والمئات من الصواريخ المتوسطة الحجم وأكثر من 205 آلاف ذخيرة غير منفجرة خلال العام الماضي، إلا أن العملية لن تحل مشكلة مخزون أسلحة حزب الله بالكامل، خصوصًا في شمال الليطاني حيث تخزن الأسلحة الاستراتيجية للحزب.
وفي الوقت نفسه، أرسل حزب الله خطابًا إلى الرئيس عون ورئيس الوزراء نواف سلام ورئيس البرلمان نبيه بري، رفض فيه أي مفاوضات مع إسرائيل، مؤكدًا أن نزع السلاح شمال الليطاني “لم يرد ذكره في اتفاق وقف إطلاق النار ولا يمكن فرضه”.
وأكد أمين عام الحزب نائب قاسم أن الحكومة اللبنانية “تخدم المشروع الإسرائيلي”، مهددًا بطريقة غير مباشرة بإمكانية اندلاع حرب أهلية، في بلد لا يزال يتعافى من صراعاته السابقة.
هل سيرد حزب الله؟
تظل مسألة رد حزب الله على اغتيال طباطبائي مجهولة. فقد ظل الحزب صامتًا إلى حد كبير على مدار عام كامل من الغارات الإسرائيلية، وخسر أكثر من 300 مقاتل منذ توقيع الاتفاق.
لكن الضغط الشعبي وضرورة حفظ ماء الوجه قد تدفع الحزب للرد مستقبلًا، في حين يبدو أن إسرائيل مستعدة لتوسيع حملتها الجوية إذا لم ترَ تغييرات في موقف الحكومة اللبنانية، دون أي تهديد رادع من إيران أو غزة، ومع حصولها على غطاء سياسي من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
زيارة البابا… عامل مؤجل للتصعيد؟
زيارة البابا ليو الرابع عشر المرتقبة إلى لبنان خلال أسبوع قد تكون العامل الوحيد الذي يحد من تصعيد واسع في الضربات الإسرائيلية، إذ أن أي حملة قبل الزيارة ستؤدي إلى كارثة إعلامية ودبلوماسية لإسرائيل.
لكن تصريحات نتنياهو ووزير الدفاع إسرائيل كاتس تؤكد تصميم إسرائيل على التحرك “بقوة” لحماية الشمال الإسرائيلي ومنع أي تهديد، مؤكدين أن “اليد التي تُرفع ضد إسرائيل ستُقطع”، وأن سياستها في لبنان ستستمر على نهج التنفيذ الأقصى للسيطرة.










