بعد اغتيال رئيس أركان حزب الله هيثم علي الطبطبائي، ترجّح تقديرات إعلامية عبرية، بينها «إسرائيل اليوم»، أن يتجه التنظيم سريعًا إلى تسمية مسؤول بارز جديد لإدارة الذراع العسكرية، ضمن خيارات تشمل محمد حيدر وطلال حمية أو ترقية قيادي ميداني من الوحدات الإقليمية، مع طرح سيناريو إشراف مباشر من جنرال في الحرس الثوري الإيراني بصورة مؤقتة لضبط المرحلة الحساسة المقبلة.
رئيس أركان حزب الله
وقد أكدّت تغطيات عربية ودولية مقتل الطبطبائي كـ«رئيس أركان» للحزب في ضربة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت، ما يفسر استعجال نقاشات الخلافة داخل البنية العسكرية للحزب.
قدّم الطبطبائي خلال العامين الماضيين دور «العقل العملياتي» لإعادة هيكلة القوة بعد سلسلة اغتيالات طاولت قادة بارزين، وصنفته مصادر إسرائيلية بأنه «الرجل الثاني» و«رئيس أركان» حزب الله، ما يجعل شغور المنصب تحديًا قياديًا وأمنيًا مزدوجًا للحزب في لحظة تصعيد إقليمي.
وقد أشارت «إسرائيل اليوم» إلى أن الاغتيال أتى بعد تصفيات طاولت قيادات سابقة في موقع «رئاسة الأركان» داخل الجناح العسكري، وأن التراتبية أعادت إبراز أسماء محددة قادرة على ملء الفراغ.
ماذا تقول «إسرائيل اليوم»؟برز في تغطية «إسرائيل اليوم» توصيف شبكة القيادة بعد حرب 2024، حيث صعد الطبطبائي إلى صدارة الهرم العسكري مع بقاء شخصيات وازنة مثل طلال حمية (قائد الوحدة 910) ومحمد حيدر (مستشار عسكري في مجلس الجهاد) في دائرة صناعة القرار، ما يفسر حضورهما ضمن لائحة البدائل.
وتذكر الصحيفة أن حيدر نجا من محاولة اغتيال وأنه تعاون عن قرب مع الطبطبائي في مهمة إعادة بناء البنية العسكرية خلال العام الماضي، ما يمنحه رصيد ثقة داخليًا رغم خلفيته المدنية الأسبق.

الخيار الأول: محمد حيد
رتضع قراءات إسرائيلية اسم محمد حيدر كبديل محتمل بالنظر إلى عضويته وتأثيره في مجلس الجهاد واشتغاله كمستشار عسكري رفيع خلال مرحلة إعادة ترميم البنية بعد الضربات التي أصابت الصف الأول، وهو ما انعكس في أدواره منذ 2024.
وتشير مصادر بحثية إسرائيلية إلى أن حيدر كان نائبًا سابقًا في البرلمان اللبناني، وأنه تولّى ملفات شبكات الحزب خارج لبنان، ما يمنحه خبرة تنظيمية ـ سياسية قد تُترجم إلى قيادة تنسيقية لمنصب رئاسة الأركان.
وفي المقابل، تلاحظ سِيَر منشورة أن حيدر يفتقر إلى التجربة القتالية المباشرة مقارنة بالطبطبائي، وهو ما قد يدفع إلى تعيين مساعدين عملياتيين حوله إذا وقع عليه الاختيار.
ويستند أنصار هذا الخيار إلى فرضية الحفاظ على «الإيقاع» الذي حدّده الطبطبائي خلال العام المنصرم مع تجنب هزات كبرى في أسلوب العمل الذي ركّز على إعادة الجاهزية داخل لبنان.
الخيار الثاني: طلال حمية
يُعدّ طلال حمية أحد أكثر الأسماء رسوخًا في هرم الحزب، وهو قائد «الوحدة 910» المعروفة باسم «منظمة الأمن الخارجي» والمسؤولة عن إدارة العمليات خارج لبنان، وقد وُضع على لوائح عقوبات أمريكية منذ 2012 بوصفه قياديًا عسكريًا رفيعًا.
تربط «إسرائيل اليوم» اسم حمية بموقعية متقدمة في ما تبقى من الحلقة القيادية بعد موجة الاغتيالات، وتراه أحد الناجين البارزين الذين راكموا وزنًا مؤسسيًا يسمح بالانتقال إلى موقع أعلى عند الحاجة.
ويعزّز سجله الطويل في إدارة الشبكات العابرة للحدود قدرة الحزب على ربط مسرح لبنان بالأنشطة الخارجية، لكنه قد يواجه معضلة «سحب اليد» من ملف حساس هو وحدة العمليات الخارجية إذا أصبح رئيسًا للأركان، بما يقتضي إعادة توزيع للأدوار داخل «910».
ويُجادَل بأن تسلّم حمية المنصب قد يحمل رسالة ردع خارجية مزدوجة، لكنه يفرض في الداخل ترتيبات دقيقة حتى لا تتأثر منظومة العمليات الخارجية الحساسة بتغيير القائد.
الخيار الثالث: ترقية من الوحدات الإقليمية
تطرح مقاربات ميدانية خيارًا براغماتيًا يقضي بترقية قائد عملياتي من داخل التشكيلات الإقليمية التي تدير الجبهة الجنوبية عبر منظومة وحدات منظمة، وهي بنية تغطي قطاعات العمل العسكري وتخضع لإمرة مجلس الجهاد داخل لبنان.
وتُتداول في المصادر العبرية والأمنية تسميات قطاعات و«ألوية» ميدانية تُعرّف إعلاميًا بألقاب متعددة، ويرى أنصار هذا الخيار أنه يضمن استمرارًا عملياتيًا مباشرًا على خطوط الاحتكاك مع قدرة على تطبيق «عقيدة الطبطبائي» دون فاصل زمني طويل.
ورغم أن هذا السيناريو أقل صخبًا سياسيًا من تعيين اسم «وازن» من الحلقة العليا، فإنه قد يوفّر قيادة أقرب إلى تفاصيل الجبهة، خصوصًا أن أولوية الحزب في المدى القريب تبدو متركزة على إعادة بناء القدرات جنوبًا.
الخيار الرابع: إشراف مؤقت من الحرس الثوري
بفعل العلاقة العضوية بين حزب الله وفيلق القدس، يُطرح في التحليلات الإسرائيلية احتمال أن تُوفد طهران جنرالًا للإشراف الوثيق مؤقتًا على إعادة التموضع القيادي إلى حين تثبيت بديلٍ مُجمع عليه داخل بنية الحزب.
وتفيد الأدبيات الأمريكية والإسرائيلية بأن «منظمة الأمن الخارجي» ووحدات الحزب تتشابك وظيفيًا مع منظومة الدعم والتوجيه الإيرانية، ما يجعل خيار «الإشراف المباشر» أداةً معقولة لضمان عدم اهتزاز خطوط العمل في فترة انتقالية حساسة.
ويرى هذا الطرح أن اغتيال شخصية بحجم «رئيس الأركان» يخلق فراغًا قد يُدار على نحوٍ مركزي لبضعة أسابيع لضبط النسق العملياتي وردود الفعل ومحافظة على سرية شبكات الخارج.
موازين القرار داخل الحزب
وتحكم الاختيار معادلة ثلاثية: الحاجة إلى تثبيت الردع في الميدان، وإعادة البناء التنظيمي بهدوء، والإبقاء على شبكة العمليات الخارجية في مأمن من الارتباك الناجم عن إعادة توزيع الأدوار.
وتؤكد تقارير دولية أن اغتيال الطبطبائي وقع في عمق الضاحية، ما يضيف بعدًا رمزيًا يضغط نحو تعيين سريع يبعث برسائل صلابة للبيئة الحاضنة والخصوم معًا.
كما أن انخراط أسماء مثل حيدر وحمية في تسيير شؤون الجناح العسكري خلال العام الماضي يمنح القيادة خيارات «من داخل البيت» دون الحاجة إلى تغييرات بنيوية واسعة قد تكشف ثغرات مرحلية.
وتبقى طهران لاعبًا مرجّح الكفة في ترجيح السيناريو الأقرب إلى تثبيت النفوذ بأقل كلفة، مع الحفاظ على قنوات التنسيق التي تراجعت فعاليتها خلال الأشهر الأخيرة حسب وصف منصات عبرية.
أسئلة عملية على الطاولة
إذا رُجّح اسم محمد حيدر، فهل تُحمّل معه شخصية عملياتية ثقيلة لتغطية الفجوة القتالية التي تُسجَّل عليه في بعض القراءات، أم يُعاد تشكيل هيئة أركان مصغّرة حوله لتوزيع الاختصاصات؟
وإذا اتجه القرار إلى طلال حمية، فكيف ستُعاد هيكلة قيادة «910» لتفادي أي انكشاف في منظومة العمليات الخارجية المصنفة شديدة الحساسية لدى الحزب وحلفائه؟
أما خيار ترقية قائد ميداني من الوحدات الإقليمية، فيطرح سؤالًا حول مدى قبول الحلقة القيادية العليا بشخصية صاعدة ومدى قدرة هذه الشخصية على إدارة التعقيد بين جبهتي الداخل والخارج.
وفي سيناريو «الحرس الثوري»، كيف سيوازن الإشراف الإيراني بين الحاجة إلى السرعة والحفاظ على استقلالية القرار الميداني بما لا يحرج البنية السياسية للحزب في الداخل اللبناني؟
أي السيناريوهات أرجح؟ترسم تغطية «إسرائيل اليوم» مشهدًا يميل إلى حلّ من داخل الدائرة الضيقة، مع بروز اسمَي حيدر وحمية كمرشحين طبيعيين بحكم البصمة والتاريخ التنظيمي، وإن اختلفت كلفة كل خيار على ملفات الداخل والخارج.
ويقدّم تعيين حيدر مسار «استمرارية هادئة» بموازنة سياسية ـ تنظيمية، فيما يجسّد تعيين حمية إشارات ردعية خارجية أقوى لكن مع متطلبات إعادة توزيع دقيقة داخل «الوحدة 910».
ويبقى خيار الترقية الميدانية مناسبًا لمرحلة تركيز الجهد جنوبًا، على أن يُستكمل بهندسة «طاقم أركان» يوزّع الأعباء بين التخطيط والعمليات والتنسيق الخارجي.
أما «الإشراف المؤقت» من الحرس الثوري، فيظل أداة إدارة أزمة قد تُستخدم إذا تعقدت التوازنات الداخلية، لا سيما مع الضغوط الميدانية والإعلامية بعد اغتيال «رئيس الأركان» في قلب الضاحية.










