الجيش في غينيا-بيساو يسيطر على البلاد ويعتقل الرئيس إمبالو، ويعلّق الانتخابات ويغلق الحدود فورًا، بينما تُفرض حالة حظر تجوال ويتواصل الغموض حول مصير الحكم في الدولة التي شهدت سلسلة انقلابات منذ الاستقلال
في مشهد يعيد ذاكرة الانقلابات المتكررة في غرب إفريقيا، استيقظت غينيا-بيساو الخميس على وقع سيطرة الجيش على الحكم، واعتقال الرئيس أومارو سيسوكو إمبالو، وتعليق الانتخابات، بينما خلت شوارع العاصمة بيساو من المارة إلا من دوريات مدججة بالسلاح تجوب الطرق الرئيسية.
القصر الرئاسي تحوّل إلى منطقة عسكرية مغلقة، بعد ليلة صاخبة تخللتها أصوات إطلاق نار كثيف هزّت العاصمة وأدخلت البلاد مرة أخرى في نفق عدم الاستقرار.
الجيش أعلن عبر ضباطه أنه تولى “السيطرة الكاملة” على الدولة، وأوقف العملية الانتخابية بشكل مفاجئ بينما كان الجميع يترقب إعلان النتائج الرسمية التي كان يُتوقع أن تمنح إمبالو ولاية جديدة.
الجنرال دينيس نكانها، رئيس المكتب العسكري للرئاسة، صرّح بأن العملية جاءت لكشف “مخطط خطير” قال إنه يستهدف زعزعة النظام الدستوري للبلاد بتورّط ما وصفهم بـ”بارونات المخدرات”، مشيرًا إلى تهريب أسلحة بغرض تغيير موازين السلطة.
وأصدر الجيش سلسلة قرارات صادمة شملت:
• تعليق جميع البرامج الإعلامية
• إغلاق الحدود البرية والبحرية والجوية
• فرض حظر تجوال صارم
• وقف العملية الانتخابية بالكامل
ومن المتوقع الإعلان خلال ساعات عن قائد ما يسمى بـ”القيادة العليا لاستعادة النظام” التي ستباشر قيادة البلاد إلى أجل غير مسمى.
هذا الانقلاب الجديد يضاف إلى سلسلة طويلة من الانقلابات التي عصفت بغينيا-بيساو منذ استقلالها عن البرتغال عام 1974، إذ شهدت البلاد أربع عمليات انقلاب ناجحة وأخرى فاشلة، ما يجعلها ضمن أكثر الدول إفريقية تعرضًا للاهتزاز السياسي.
غينيا-بيساو… دولة محكومة بالرصاص منذ فجر استقلالها
الديمقراطية في هذا البلد لم تُولد يوماً، أو ربما وُلدت مشوّهة. فمنذ الاستقلال عن البرتغال عام 1974، لم تعرف البلاد استقراراً سياسياً سوى باستثناءات قصيرة، إذ تحولت السياسة إلى ساحة حرب مفتوحة بين النخب والعسكر.
من أبرز الانقلابات التي رسمت تاريخ الدولة:
• انقلاب 1980 بقيادة جواو برناردو فييرا ضد الرئيس لويس كابرال، وكان بداية سيطرة مطلقة للجيش على الحياة السياسية.
• تفجّر حرب أهلية عام 1998 أدت للإطاحة بفييرا نفسه بعد تحالفات عسكرية متقلبة.
• انقلاب 2003 الذي أطاح بكونتا روزا وفتح الباب لفوضى سياسية طويلة.
• انقلاب 2012 الذي أجهض العملية الانتخابية وأعاد البلاد مرتين إلى نقطة الصفر.
واليوم… انقلاب جديد يؤكد أن المسلسل لم يصل إلى حلقته الأخيرة.
الغموض يخيّم على المشهد الإقليمي أيضًا، إذ تخشى دول غرب إفريقيا من امتداد عدوى الانقلابات التي أطاحت سابقًا بحكومات مالي وبوركينا فاسو والنيجر وغينيا.
وبينما يغيب صوت السلطة السياسية، ترتفع أصوات الأسئلة:
من يقف حقًا خلف هذا التحرك المفاجئ؟
ومتى تستعيد غينيا-بيساو مسارها الديمقراطي؟
حتى اللحظة، تبقى الإجابات معلّقة… مثل مستقبل البلاد بأكملها.










