تشهد أسعار الكهرباء في السعودية حالياً مرحلة إعادة ضبط تدريجية للتعرفة، مع بدء تطبيق زيادات موجهة على بعض الفئات والقطاعات منذ 28 مايو 2025، في إطار سياسة رسمية تستهدف ترشيد الاستهلاك، وتوجيه الدعم بشكل أدق، وتقليل الفاتورة التي تتحملها الميزانية العامة، مع تأكيد استمرار التعرفة المدعومة نسبياً للاستهلاك السكني العادي مقارنة بالمتوسط العالمي.
ورغم أن الأسعار لا تزال من بين الأدنى عالمياً للأسر، فإن جزءاً من المستهلكين والأوساط الاقتصادية يعبّر عن قلق متزايد من أثر الزيادات المتتابعة على تكاليف المعيشة والتشغيل، خصوصاً مع شكاوى من ضعف الوعي بآليات التسعير وتعقيد شرائح الاستهلاك الجديدة.
توضح الشركة السعودية للكهرباء والهيئة السعودية لتنظيم الكهرباء أن شرائح الاستهلاك للمشتركين السكنيين لا تزال مقسمة إلى شريحتين رئيسيتين: من 1 حتى 6000 كيلوواط ساعة شهرياً، وما فوق ذلك، مع تسعير متزايد للاستهلاك الأعلى، في حين تُعامل القطاعات التجارية والزراعية والحكومية والصناعية بتعريفات مختلفة تعكس طبيعة كل نشاط.
كما جرى استحداث تعرفة خاصة للمنشآت ذات الاستهلاك الكثيف للكهرباء، تُمنح وفق ضوابط تأهيل محددة، بهدف تشجيع كفاءة الطاقة وتخفيف العبء على الشبكة مقابل أسعار أقل نسبياً للمستهلكين الملتزمين بالمعايير.
بيانات دولية مستقلة تشير إلى أن متوسط سعر الكهرباء للأسر في السعودية يقارب 0.053 دولار لكل كيلوواط ساعة (حوالي 0.20 ريال)، مقابل متوسط عالمي أعلى بثلاثة أضعاف تقريباً، بينما يبلغ السعر للأنشطة التجارية نحو 0.069 دولار لكل كيلوواط ساعة، وهو مستوى ما زال تنافسياً لكنه يتجه تدريجياً للصعود.
هذا الفارق يسمح للخطاب الرسمي بالقول إن الأسعار «منخفضة»، لكن قطاعات من المجتمع ترى أن المقارنة العادلة يجب أن تشمل مستوى الدخل والقوة الشرائية، لا الأرقام المطلقة وحدها.
التعديلات الجديدة في 2025 ومن يستهدفها؟مع حلول 28 مايو 2025، دخلت تعديلات في تعرفة الاستهلاك لعدد من القطاعات حيز التنفيذ، خاصة في بعض الاستخدامات التجارية والصناعية والخدمية، وسط تأكيد بأن الهدف هو تحفيز الترشيد وتقليص الهدر في الاستهلاك الكبير أكثر من تحميل الأسر أعباء مباشرة.
شركات مرافق صناعية وخدمية أوضحت أن التعرفة الجديدة ترفع كلفة الطاقة في بعض الشرائح، ما ينعكس على الحسابات التشغيلية للمصانع والمشروعات العقارية والمراكز التجارية، مع تحذيرات من احتمال تمرير جزء من هذه الزيادة إلى المستهلك النهائي عبر أسعار السلع والخدمات.
في موازاة ذلك، تعمل الهيئة السعودية لتنظيم الكهرباء على استكمال مشروع القواعد الخاصة بالمنشآت ذات الاستهلاك الكثيف للكهرباء، والذي يربط الاستفادة من التعرفة المخفضة بالتزام هذه المنشآت بمعايير كفاءة الطاقة والحصول على تراخيص محددة وتقديم بيانات استهلاك مفصلة سنوياً.
منتقدون يرون أن هذه الشروط قد تربك الشركات المتوسطة والصغيرة التي لا تمتلك فرقاً فنية متخصصة، وتجعل التعرفة التفضيلية عملياً في متناول الكيانات الأكبر والأكثر قدرة على الامتثال البيروقراطي والتقني.
أثر الأسعار على الأسر والقطاع الخاصعلى مستوى الأسر، لا توجد قرارات حديثة برفع حاد مباشر لتعرفة الشريحة السكنية الأساسية، لكن ارتفاع الاستهلاك في الصيف واستخدام المكيفات بشكل مكثف يدفع كثيراً من المواطنين لشكوى تضخم الفواتير، خاصة مع اتساع الفارق بين من يسكنون في وحدات صغيرة ومن يملكون فللاً كبيرة باستهلاك يتجاوز الشريحة المدعومة.
وتحاول الشركة السعودية للكهرباء مواجهة هذا الغضب عبر أدوات توعوية، مثل نشر حاسبات استهلاك ومواد إرشادية حول العزل الحراري وأنظمة التكييف الموفرة للطاقة، غير أن شريحة من المستهلكين ترى أن «الوعي وحده» لا يكفي في ظل أجور محدودة والتزامات معيشية متزايدة.
أما في القطاع الخاص، فترتفع نبرة القلق لدى أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة من أن استمرار تعديل التعرفة قد يضعهم بين فكي كماشة: تكلفة تشغيلية أعلى في الطاقة من جهة، وضغوط تنافسية تمنعهم من رفع الأسعار كثيراً من جهة أخرى.
بعض الصناعيين يحذرون من أن غياب مسار واضح ومستقر للتعرفة لعدة سنوات مقبلة يصعّب اتخاذ قرارات استثمارية طويلة الأمد، خصوصاً في الصناعات كثيفة الاستهلاك للكهرباء التي تحتاج إلى رؤية تسعيرية مستقرة قبل ضخ استثمارات جديدة.
بين خطاب «رفع الكفاءة» وهاجس «رفع الكلفة»الهيئة السعودية لتنظيم الكهرباء تبرر هذه السياسة بأنها جزء من إصلاح أوسع لأسعار الطاقة، يهدف إلى رفع كفاءة الدعم الحكومي وضمان استدامة القطاع وجودة الخدمة وتحفيز الترشيد، مع الإشارة إلى أن التعرفة مصممة لتغطية تكاليف الإنتاج والنقل والتوزيع دون تحميل الخزينة أعباء غير مبررة.
وتضيف الجهات الرسمية أن تحسين كفاءة التسعير ضروري أيضاً لجذب استثمارات في الطاقة المتجددة والشبكات الذكية، بما يضمن استقرار الإمدادات في ظل نمو الطلب السكاني والاقتصادي.
في المقابل، يطالب أصوات معارضة وخبراء مستقلون بمزيد من الشفافية في شرح منهجية التسعير، ونشر دراسات عن أثر أي تعديل على الفئات ذات الدخل المحدود، والتفكير في آليات «تعرفة اجتماعية» أو دعم مباشر للفئات الأضعف بدلاً من الاعتماد على شرائح استهلاك تبدو محايدة لكنها عملياً تضرب من يضطرون لاستهلاك أعلى بسبب طبيعة مساكنهم أو أعمالهم.
وبين منطق المالية العامة ومنطق العدالة الاجتماعية، تبقى فاتورة الكهرباء في السعودية ملفاً مفتوحاً للنقاش، يعكس التوتر بين متطلبات إصلاح الدعم ورغبة المواطنين في طاقة ميسورة تكفي لحياة كريمة في مناخ حار واستهلاك كهربائي لا غنى عنه.










