تشهد دولة الإمارات استعدادات مكثفة للاحتفال بعيد الاتحاد الـ54 (اليوم الوطني) في 1 و2 ديسمبر 2025، مع إعلان عطلة رسمية مدفوعة الأجر للقطاعين الحكومي والخاص وبرنامج واسع من الفعاليات الفنية والترفيهية والعروض الوطنية في مختلف الإمارات، تحت شعارات تركز على الوحدة والهوية الوطنية واستمرار مسيرة الإنجاز منذ قيام الاتحاد عام 1971.
وبموازاة الخطاب الرسمي الذي يحتفي بالازدهار والتنمية والانفتاح، تتجدد في الخلفية انتقادات حقوقية وسياسية ترى أن الاحتفال بصورة «الدولة النموذج» يتجاهل ملفات حساسة مثل حرية التعبير وواقع المجتمع المدني وسياسات الإمارات الإقليمية.
ملامح احتفالات عيد الاتحاد 54
تؤكد المنصة الرسمية لحكومة الإمارات أن 2 ديسمبر يظل التاريخ المحوري الذي تتوقف فيه الدوائر الحكومية والخاصة للاحتفال باليوم الوطني، مع تمديد الإجازة هذا العام ليومي 1 و2 ديسمبر للقطاعين، ما يمنح المقيمين والمواطنين عطلة طويلة نسبياً.
وتشمل الفعاليات المنتظرة عروضاً للألعاب النارية في مواقع عدة، وحفلات غنائية لنجوم محليين وعرب، إلى جانب عروض تراثية ومسيرات في إمارات مثل دبي وأبوظبي والشارقة، مع حملة ترويجية واسعة لتشجيع السياحة الداخلية والخارجية خلال فترة العيد.
شعار عيد الاتحاد في السنوات الأخيرة ركز على قيم مثل «متحدين» و«روح الاتحاد»، مع إنتاج عروض رسمية ضخمة تبث تلفزيونياً وتُنقل إلى أماكن عامة عبر شاشات عملاقة في الحدائق والساحات، بما يحول المناسبة إلى «عرض هوية» جماعي يدمج الفن بالتاريخ والرسائل السياسية.
كما تُصدر جهات حكومية وخاصة أدلة جاهزة للمدارس والشركات لتنظيم أنشطة توعوية واحتفالية، من رفع الأعلام وتزيين المباني حتى مسابقات الهوية الوطنية، في سياق بناء سردية متماسكة حول الاتحاد والإنجاز.
العطلات والبعد الاقتصادي والسياحي
أعلنت وزارة الموارد البشرية والتوطين أن يومي الاثنين والثلاثاء 1 و2 ديسمبر 2025 عطلة رسمية مدفوعة الأجر للقطاع الخاص، بالتوازي مع عطلة مماثلة لموظفي الوزارات والجهات الاتحادية، ما يعني فعلياً عطلة أسبوع ممتدة لأربعة أيام للكثير من العاملين.
هذا الترتيب يمنح قطاع السياحة والضيافة فرصة ذهبية لتنشيط الإشغال الفندقي وتنظيم باقات خاصة لعيد الاتحاد، كما يُتوقع أن تستفيد مراكز التسوق والمطاعم والوجهات الترفيهية من تدفق الزوار والعروض المرتبطة بالمناسبة.
تسوق دوائر الاقتصاد والسياحة في دبي وبقية الإمارات عيد الاتحاد على أنه «موسم ذهبي» للتسوق والترفيه، مع تخفيضات وعروض ترويجية تمتد لعدة أيام، إلى جانب فعاليات ثقافية وفنية تُبرز «ذاكرة الوطن» ومشروعات كبرى مثل إكسبو سيتي ومتاحف التاريخ الوطني.
في المقابل، يرى منتقدون أن الطابع الاستهلاكي المتزايد للاحتفال – من العروض التجارية حتى المهرجانات المدفوعة – يحول اليوم الوطني من مساحة للتأمل في قضايا المجتمع إلى مناسبة تسويقية مركزة على الصورة والإنفاق.
ما وراء الصورة الرسمية: أسئلة الحقوق والسياسة
تقارير حقوقية ومنصات نقدية تلفت في كل موسم وطني تقريباً إلى التناقض بين صورة بلد «التسامح والانفتاح» وبين سجل الانتقادات في مجالات حرية التعبير، وحق التنظيم، واستقلال المجتمع المدني، حيث تحصل الإمارات على درجات متدنية في مؤشرات حرية التجمع وحرية عمل منظمات حقوق الإنسان.
وتشير هذه التقارير إلى حالات اعتقال ومحاكمات لناشطين أو معارضين، وإلى قيود مشددة على العمل الحقوقي المستقل، معتبرة أن مشاهد الوحدة والفرح في اليوم الوطني تُستخدم أحياناً لتغطية غياب أصوات مخالفة في الفضاء العام.
على الصعيد الخارجي، يحضر في خلفية الخطاب المعارض دور الإمارات في ملفات إقليمية حساسة مثل الحرب في اليمن ودعم أطراف مسلحة في نزاعات مختلفة، حيث توثق منظمات حقوقية دولية اتهامات باستخدام مفرط للقوة وانتهاكات بحق مدنيين وسجناء في مناطق نفوذ لقوات مرتبطة بالإمارات.
بالنسبة لهذه الأصوات، لا يمكن فصل الاحتفال باليوم الوطني عن نقاش مسؤولية الدولة عن سياساتها الإقليمية، وما يترتب عليها من صورة دولية وتأثير على قيم العدالة وحقوق الإنسان التي يُفترض أن تعبر عنها الأعياد الوطنية.
هوية وطنية بين الفخر والنقد
الخطاب الرسمي والإعلامي داخل الإمارات يقدم عيد الاتحاد بوصفه لحظة إجماع وطني شامل، تتداخل فيها رموز الماضي (المؤسسون، الصحراء، البحر) مع إنجازات الحاضر (ناطحات السحاب، الموانئ، الفضاء، الذكاء الاصطناعي) في مشهد احتفالي قوي البعد البصري.
بالنسبة لشرائح واسعة من المواطنين والمقيمين، يمثل هذا اليوم بالفعل مناسبة للفخر بمسار تنموي سريع وفرص عمل ومعيشة وبنية تحتية متقدمة قياساً بالمنطقة، وهو ما يفسر المشاركة الكثيفة في الفعاليات الرسمية والشعبية كل عام.
في المقابل، يرى معارضون وحقوقيون أن اكتمال صورة «الهوية الوطنية» يتطلب مساحة أوسع للنقاش الحر حول السياسات والحقوق، وأن اليوم الوطني يمكن أن يتحول من مجرد احتفال إلى منصة مراجعة لسؤال: لمن يُبنى هذا المستقبل، وبأي كلفة على الحريات والعدالة الاجتماعية داخلياً وخارجياً؟
وبين هذين المنظورين، يدخل عيد الاتحاد الـ54 كحلقة جديدة في مسار دولة تسعى لتثبيت صورتها كقوة إقليمية حديثة، بينما لا تزال ملفات الحقوق والديمقراطية وأصوات النقد تطرق أبواب احتفالاتها الصاخبة من الخارج أكثر مما يُسمح لها بالحضور في الداخل.










