شهدت الأيام الأخيرة نشاطاً مكثفاً عابراً للقارات لدوائر مرتبطة بالتنظيم الدولي لجماعة الإخوان، بدأ من لاهور في باكستان، مروراً باجتماع في تركيا لمجلس مسلمي أوروبا، ثم لقاء فكري موسّع في كوالالمبور، ما عكس سعياً لإعادة هيكلة الأدوار وترتيب الملفات الإقليمية الساخنة.
أكدت تقارير حضور وفود من عشرات الدول في فعالية لاهور رفقة قيادات تنظيمية بارزة، بالتوازي مع حراك إعلامي وتنظيمي يهدف لتوحيد الرسائل وتخفيف بصمة “الاسم التنظيمي” في الخطاب العام.
جدول الاجتماع
أفادت مصادر إعلامية مرتبطة بالجماعة الإسلامية في باكستان أن لاهور استضافت مؤتمراً دولياً واسع المشاركة تخللته لقاءات تنسيقية لقادة من أكثر من 40 دولة، وبرزت فيه أسماء قيادية من الإخوان من بينها محمود الإبياري وحلمي الجزار ومحيي الدين الزايط ضمن الوفود الحاضرة.
وأشارت تقارير محلية إلى أنّ الفعالية جرت قرب منارة باكستان وترافقت مع جلسات دولية خاصة، ما وفر منصة لاجتماعات جانبية ذات طابع تنظيمي.
وبعدها بيوم، جرى اجتماع في تركيا نسب إلى “مجلس مسلمي أوروبا” بقيادة عبد الله بن منصور، أعقبه في اليوم التالي لقاء فكري في كوالالمبور حضره رموز سياسية وفكرية بينهم مهاتير محمد وعبد الرزاق مقري ومحمد الحسن ولد الددو، مع ذكر اسم عباس خمايار كشخصية ذات تأثير دولي في سياق نقاشات الجماعة.
مخرجات لاهور
أوردت رواية إعلامية تفصيلية أنّ اجتماع لاهور خلص إلى جملة تكليفات وهيكلة داخلية هدفت إلى تثبيت القيادة التنفيذية وتحديث قنوات العمل عبر الحدود.
وفي ما يلي أبرز ما نُسب إلى الاجتماع من قرارات:تثبيت محمود الإبياري أميناً عاماً للتنظيم الدولي ومشرفاً على الإعلام العالمي للجماعة.
تكليف أنس التكريتي نائباً للإبياري مع دور تنسيقي عابر للأقطار.
إسناد ملف التربية والفكر إلى حلمي الجزار لتحديث المضامين وأساليب التأطير.
تكليف محيي الدين الزايط بإدارة قطاعات التنظيم والأقطار بما يعزز الربط الهيكلي بين المراكز والفروع.
توجيه الأقطار إلى نفي وجود “تنظيم عالمي” علناً، واعتماد مسميات مؤسسية لا تحمل اسم الجماعة مباشرة.
تفعيل ملف السودان بنشاطات ولقاءات ومسيرات إعلامية وسياسية تهاجم دور الإمارات وتربطه بدعم قوات حميدتي.
إعطاء أولوية لملف تونس، خصوصاً السجناء من حركة النهضة، مع تشجيع أساليب حركية جديدة على الأرض.
إعادة إحياء مسار “المصالحة” مع الدولة المصرية بالتعاون مع حلفاء إعلاميين وشركاء منصّات.
معطيات داعمة ودلاليةتُظهر المواد المنشورة من منصات قريبة من الإخوان والجماعة الإسلامية الباكستانية أن فعالية لاهور اتخذت طابعاً عالمياً غير تقليدي، مع تكرار الإشارة إلى اتساع التمثيل الدولي وعدد الوفود المشاركة.
وتزامن هذا مع تغطيات تُبرز انتقال الأنشطة بين إسطنبول ولاهور، بما يعزز فرضية التنسيق والزمن السياسي المتقارب بين الفعاليات.
كما وثّقت حسابات من هيئات دينية دولية دعوات للمشاركة في مؤتمر لاهور بجدولة زمنية بين 21 و23 نوفمبر 2025، بما يضبط الإطار الزمني العام لهذه الأنشطة.
مسارات إقليمية حساسةتُظهر النقاط المنسوبة لاجتماع لاهور تركيزاً على ثلاثة مسارات ساخنة: السودان، تونس، ومصر، في توازن يجمع الضغط السياسي والإعلامي مع محاولات إعادة التموضع.
ففي السودان، يُدفع باتجاه حملات وفعاليات تندّد بالإمارات وتربطها بملف دعم حميدتي، ضمن استراتيجية تأثير تستهدف الرأي العام الإقليمي والدولي.
وفي تونس، يمنح القرار أولوية للسجناء من حركة النهضة وتطوير “أشكال حركية جديدة”، ما يوحي بتعديل تكتيكات التعبئة وتخفيف مركزية الأطر التقليدية.
أما في مصر، فتتحدث المخرجات عن إحياء مشروع “مصالحة” عبر قنوات شركاء إعلاميين، في محاولة لفتح مسار اتصالي أقل صداماً وأكثر براغماتية مع النظام.
الإعلام والإنكار المنهجي
وتبرز ضمن القرارات إشارات إلى إعادة هندسة الحضور العلني عبر “تنقيح العلامة” وإنكار وجود تنظيم عالمي، مع الإبقاء على شبكات تنسيق وظيفية داخلية، وهو نهج سبق أن استُخدم لتخفيف الضغوط القانونية والسياسية.
كما أن تثبيت دور محمود الإبياري على رأس المنظومة الإعلامية العالمية يحمل دلالة على مركزية السردية العابرة للحدود، بما في ذلك إدارة الخطاب وتوزيع الرسائل بحسب ساحات الاستهداف.
وتوحي هذه المقاربة بمزج بين “إخفاء البنية” وإظهار “القضية” ضمن قوالب مؤسسية محلية الاسم وعابرة الوظيفة.
بين التنظيم والفكرةيشير اجتماع كوالالمبور، كما يقول مصدر التقرير، إلى محاولة ترسيم “مظلّة فكرية” أوسع تضم شخصيات سياسية ودعوية مؤثرة، بما فيها أسماء ذات رمزية إسلامية عابرة للمدارس، مثل مهاتير محمد وولد الددو وعبد الرزاق مقري، مع الإشارة إلى عباس خمايار بوصفه شخصية ذات نفوذ وتأثير في تلاقي الإسلاميين مع محاور إقليمية أخرى.
وتُظهر هذه الترتيبة رغبة في إسناد الجبهة التنظيمية بجبهة فكرية تمنح المشروعية والتنوع وتخلق قنوات محاورة جديدة مع ساحات آسيا وإفريقيا.
قراءة في الأهداف والنتائج المحتملةتوحيد الإيقاع: تقارب المواعيد بين لاهور وتركيا وكوالالمبور يكشف سعياً لتوحيد الإيقاع التنظيمي والفكري والإعلامي على موجة واحدة تمهيداً لمرحلة تصعيد سياسي وإعلامي.
“تخفيف البصمة التنظيمية”: اعتماد أسماء مؤسسية غير مرتبطة لفظياً بالجماعة مع إنكار “التنظيم الدولي” قد يهدف لخفض المخاطر القانونية وتحسين قدرة الحركة على النفاذ داخل بيئات تشريعية وإعلامية معقدة.
تعدد الساحات: التركيز على السودان وتونس ومصر يعكس رؤية شبكية تُوزّع الموارد بحسب نوافذ الفرص ودرجة الضغط في كل ساحة، مع الاستثمار في المنصات الإعلامية المحسوبة على الحلفاء لتعظيم الأثر.ما الذي يعنيه ذلك للفاعلين الإقليميين؟
وفي شمال إفريقيا، قد تواجه الحكومات حملة خطابية وسياسية متعددة المنابر تراوح بين قضايا السجناء وحقوق المشاركة إلى الضغط لأجل تسويات سياسية مشروطة، ما يستدعي سياسات اتصال ذكية وقدرة على تفكيك البروباغندا.
وفي البحر الأحمر والقرن الإفريقي، احتمال تدويل سردية السودان عبر منصات وشبكات ضغط مدنية وإعلامية قد يزيد تعقيد الحسابات الإقليمية، خصوصاً مع توجيه اتهامات لأطراف بعينها في مسار الحرب.
وفي أوروبا، إعادة تفعيل واجهات مؤسسية ذات أسماء “محايدة” قد تعيد الجدل حول حدود حرية التنظيم والعمل الأهلي وعلاقتهما بالأمن المجتمعي والتمويل العابر للحدود.
التحركات المتزامنة عبر لاهور وتركيا وكوالالمبور توحي بمرحلة “إعادة تنظيم” تعطي الأولوية لبناء سردية موحدة مع مرونة هيكلية تخفي بصمة التنظيم وتُظهر قضايا وواجهات محلية متجددة.
هذا يفسر تثبيت القيادة التنفيذية الإعلامية وتوجيه الأقطار لإنكار الهيكل الدولي علناً، مع إبقاء التنسيق التشغيلي في العمق.
التركيز على السودان وتونس ومصر يعكس إدراكاً بأن نتائج أي تحرك قريب ستُقاس بمدى القدرة على التأثير في هذه الساحات الثلاث، حيث تتجاور السياسة والشرعية والشارع والإعلام في ميزان واحد.










