محمد عبدالعاطى لم يعد مجرد اسم مرَّ على شاشات السوشيال ميديا، بل أصبح عنوانًا لقصة صعود وسقوط سريعة في عالم صناعة المحتوى، بعد الحكم عليه بالحبس عامين بتهمة نشر وبث فيديوهات خادشة للحياء عبر منصات التواصل، في قضية أثارت نقاشًا واسعًا حول حدود الحرية والمسؤولية الرقمية في مصر.
الحكم جاء ليضع نهاية مؤقتة لمسار «تيك توكر» حقق انتشارًا كبيرًا خلال شهور قليلة، قبل أن يتحول إلى نموذج تحذيري تستخدمه جهات عدة للتشديد على أن الفضاء الإلكتروني ليس خارج نطاق القانون.
الأوراق القضائية اعتمدت على مواد من قانون العقوبات وقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، التي تجرّم نشر محتوى مخل بالآداب العامة حتى لو تم عبر منصات رقمية يختار الجمهور متابعتها طوعًا.
القضية بدأت ببلاغات من مواطنين وجهات معنية بمكافحة المحتوى غير الأخلاقي، تشير إلى أن المقاطع لا تلتزم بالمعايير المقبولة اجتماعيًا، وتؤثر سلبًا على فئة المراهقين والشباب الذين يتابعون هذه الحسابات بكثافة.
جهات التحقيق قامت بجمع الأدلة الرقمية، قبل أن تحيل المتهم للمحاكمة التي انتهت بإصدار الحكم الأخير، مع الإشارة إلى إمكانية الطعن عليه في درجات التقاضي الأعلى.
عبدالعاطى وصناعة الترند السري
محمد عبدالعاطى ينتمي إلى جيل صناع المحتوى الذين بنوا شهرتهم على مقاطع قصيرة، تعتمد على المبالغة في الأداء، والتلميحات الجريئة، وجذب أكبر قدر من التفاعل في أقل وقت ممكن، في ظل خوارزميات تكافئ المحتوى المثير للجدل.
هذا النمط من الحضور الرقمي جعل اسمه يتردد بقوة، ليس فقط بين متابعيه، بل أيضًا في دوائر أوسع مع بدء الجدل حول نوعية المحتوى الذي يقدمه وأثره على الذوق العام.
الصعود السريع ترافق مع ضعف الخبرة القانونية لدى كثير من صناع المحتوى، الذين يتعاملون مع المنصات بوصفها مساحة حرة بالكامل، دون وعي بأن ما يُبث عليها يخضع للقوانين ذاتها المنظمة للنشر في الصحافة والإعلام التقليدي.
حالة عبدالعاطى جاءت لتؤكد أن منطق «اللعب على الحافة» في المحتوى قد يتحول في لحظة إلى مسار قضائي، إذا اعتبرت الجهات المختصة أن ما يُنشر يتجاوز سقف المقبول قانونيًا.
نقاش مجتمعي حول الحدود والمسؤولية
خبر الحبس أعاد إشعال نقاش واسع في الشارع المصري وعلى المنصات بين اتجاهين؛ الأول يرى أن الحكم ضروري لردع موجة متزايدة من المحتوى الخادش الذي يستهدف الحصول على مشاهدات بأي ثمن.
هذا الاتجاه يعتبر أن تطبيق القانون بصرامة هو السبيل الوحيد لحماية القُصّر وتخفيف حدة «تطبيع الابتذال» داخل الفضاء الرقمي المفتوح للجميع.
الاتجاه الثاني لا يدافع عن المحتوى نفسه، لكنه يطرح أسئلة حول معايير تصنيف ما هو خادش، ومن يملك حق التقييم، وكيفية الفصل بين الإبداع الجريء والمحتوى المخل، مع التحذير من أن تتحول القضايا الأخلاقية إلى أداة لتقييد أشكال مختلفة من التعبير.
أصحاب هذا الرأي يدعون إلى مقاربة أعمق تشمل التوعية الرقمية، وتطوير آليات الضبط الذاتي لدى المنصات والمستخدمين، بدل الاعتماد فقط على الأدوات العقابية.
تأثير القضية على صناع المحتوى الآخرين
قضية محمد عبدالعاطى مرشحة لأن تصبح «نقطة مرجعية» يتوقف عندها كثير من المؤثرين وصناع الفيديوهات القصيرة عند تخطيطهم لنوعية ما يقدمونه في الفترة القادمة.
فالحكم بعقوبة سالبة للحرية، وليس مجرد غرامة مالية، يبعث برسالة واضحة إلى أن زمن التساهل مع المحتوى المخل على الإنترنت يقترب من نهايته في عدد من الملفات.
بعض المراقبين يتوقعون أن تدفع هذه القضية عددًا من صناع المحتوى إلى إعادة ضبط بوصلتهم، إما بالتحول إلى محتوى أكثر أمانًا، أو بمحاولة «تغليف» الرسائل الجريئة في قوالب أقل صدامًا مع النصوص القانونية.
كما قد تدفع منصات كتيك توك وفيسبوك وإنستجرام إلى تشديد آليات المراجعة والحذف التلقائي للمحتوى الذي قد يضعها في مواجهة مباشرة مع الجهات التنظيمية والقضائية.
أسئلة مفتوحة لمستقبل المشهد الرقمي
بعيدًا عن مصير شخص واحد، تكشف قضية محمد عبدالعاطى عن لحظة مفصلية في علاقة المجتمع المصري مع فضاء السوشيال ميديا، حيث لم يعد ممكنًا التعامل مع المحتوى الرقمي كمنطقة رمادية خارجة عن الضبط.
فالقانون يتحرك الآن بوتيرة أسرع، والجدل الأخلاقي يتسع، والجمهور ذاته بات أكثر انقسامًا بين من يستهلك هذا المحتوى في السر، ومن يطالب علنًا بمعاقبته.
المرحلة المقبلة ستُظهر ما إذا كان الحكم بداية لمسا تنظيمي أعمق يشمل وضع أدلة استرشادية لصناع المحتوى، وبرامج توعية رقمية للشباب، أو أنه سيظل مجرد «جرس إنذار» يدوّي مع كل قضية جديدة مشابهة.
لكن المؤكد أن اسم محمد عبدالعاطى سيبقى حاضرًا لفترة بوصفه مثالًا صارخًا على كلفة تجاهل الخط الفاصل بين السعي للترند، والاصطدام بالقانون.











