الشيخ عبد الباسط عبد الصمد رحل عن دنيانا منذ عام 1988، لكن أخباره لا تزال حاضرة بقوة عبر إرثٍ قرآني يُعاد نشره يومياً، وتطبيقات ومنصات رقمية جديدة تخرج باسمه حتى عام 2025، إلى جانب احتفاء متجدد بسيرته ومسيرته في الإذاعات والقنوات الدينية.
اسمه يتحول اليوم إلى “علامة روحية” تُستثمر في بث التلاوات المباشرة، والتطبيقات الهاتفية، والبرامج الوثائقية التي تعيد تقديمه للأجيال الجديدة.
سيرة موجزة وإرث لا ينطفئ
وُلد الشيخ عبد الباسط عبد الصمد عام 1927 في قرية المراعزة بصعيد مصر، وحفظ القرآن الكريم في سن مبكرة، حتى صار من أبرز أعلام القراء في القرن العشرين.
عُرف بلقب “صوت مكة”، وتدرج في مسيرته حتى أصبح مقرئاً رسمياً لمسجد الإمام الشافعي ثم مسجد الإمام الحسين في القاهرة، وشغل منصب أول نقيب لقراء القرآن في مصر.
تجاوز تأثيره مصر إلى العالم الإسلامي؛ فقد طاف عشرات البلدان، وحصل على أوسمة رفيعة من دول عربية وإسلامية عدة، وظل اسمه جزءاً من “رباعي القراء الكبار” في العصر الحديث إلى جانب الحصري والمنشاوي ومصطفى إسماعيل.
رحل الشيخ عام 1988 في القاهرة، لكن تسجيلاته الإذاعية والتجارية صارت “كنزاً صوتياً” تعتمد عليه الإذاعات والقنوات والمنصات حتى اليوم.
عبد الباسط في زمن المنصات
رغم مرور عقود على وفاته، تُبث تلاوات الشيخ بانتظام عبر إذاعة القرآن الكريم، وقنوات البث المباشر التي تقدم صلوات الفجر والمغرب والقيام بصوته، مع إعادة إخراج التسجيلات بجودة رقمية أعلى.
كما تظهر عشرات القنوات على يوتيوب وصفحات فيسبوك وتيك توك تبث مقاطع من تلاواته وتتلقى ملايين المشاهدات، ما يعكس بقاءه في واجهة المشهد القرآني لدى الجمهور الجديد.
في 2025 تحديداً، برزت تطبيقات جديدة للهواتف الذكية تحمل اسمه، تتيح الاستماع لتلاواته كاملة دون اتصال بالإنترنت، مع تقييمات مرتفعة في متاجر التطبيقات، ما يؤكد أن “المنتَج الصوتي” لعبد الباسط ما زال مطلوباً تجارياً وروحياً في آن واحد.
هذه التطبيقات تقدم أحياناً نسخاً بروايات مختلفة مثل ورش، في محاولة لجعل تجربة الاستماع أكثر تنوعاً للمستخدمين حول العالم.
الاحتفاء الأكاديمي والدعوي
إلى جانب الحضور الجماهيري، تتعامل مؤسسات علمية ودعوية مع تلاوات الشيخ كـ“نموذج تدريبي” في دورات التجويد وتعليم المقامات الصوتية، حيث تُحلَّل طريقته في الأداء والتنقل بين الدرجات النغمية.
تشير مقالات متخصصة إلى أن صوته بات مرجعاً في دراسات علم الأصوات القرآنية، بوصفه مثالاً على الجمع بين الالتزام بأحكام التجويد والبعد الوجداني العميق في الأداء.
هذا الاهتمام لم يقتصر على العالم العربي؛ فمراكز قرآنية في أوروبا وآسيا توظف تسجيلاته في حلقات التحفيظ، وتروج لها بوصفها “المدخل الأكثر تأثيراً” لجذب المبتدئين إلى الاستماع للقرآن وحفظه.
وتتحدث تقارير تعريفية عنه بعدة لغات، ما جعل سيرته جزءاً من “المكتبة العالمية” للتلاوة القرآنية.
أسئلة الملكية وحقوق التسجيلاتفي مقابل هذا الانتشار، يثير الاستخدام الكثيف لتسجيلات الشيخ عبر المنصات الرقمية أسئلة حول حقوق الملكية الفكرية وآليات الاستفادة المادية لعائلته أو للجهات المنتجة الأصلية.
كثير من القنوات والتطبيقات تعيد نشر التلاوات في صيغ تجارية أو مدعومة بالإعلانات دون توضيح واضح لاتفاقيات ترخيص أو نسب عوائد، ما يفتح باباً لنقاش قانوني وأخلاقي مستمر.
مع ذلك، يحرص عدد من الإذاعات الرسمية والمؤسسات الدينية الكبرى على التأكيد أن نشر تلاوات الشيخ يتم في إطار احترام حقوقه الأدبية، مع التنويه بأن المقصود هو الحفاظ على إرثه وخدمته للقرآن الكريم.
وتظل الصورة العامة أن عبد الباسط، رغم رحيله، حاضر اليوم كصوت يربط بين أجيال المتلقين، وكقضية حيّة عن كيفية إدارة التراث القرآني في عصر الاقتصاد الرقمي.










