مجموعة نارية وعناصر منقوصة: هل تظلم القرعة منتخب فلسطين أم تكشف معدن جيله الذهبي؟
منتخب فلسطين يعيش واحدة من أكثر مراحله قوة وحساسية في آن واحد؛ إذ يدخل بطولة كأس العرب 2025 في قطر بروح معنوية عالية بعد مشوار تاريخي في تصفيات كأس العالم وأمم آسيا، رغم الغيابات القسرية وضغوط الاحتلال وظروف الترحال خارج أرضه
ومع انطلاق مشواره في كأس العرب أمام المنتخب القطري، تحوّل المنتخب إلى رمز مضاعف للمقاومة والصمود داخل وخارج المستطيل الأخضر
إلى متى يدفع الفدائي ثمن السياسة في حسابات الكرة القارية؟
“مشاركة فلسطين في كأس العرب 2025منتخب فلسطين يخوض حاليًا نهائيات كأس العرب 2025 في قطر، في مجموعة نارية تضم قطر (البلد المستضيف) وتونس وسوريا، ما يجعل مشواره الأصعب نظريًا بين المنتخبات العربية المتأهلة من التصفيات
الفريق انتزع بطاقة التأهل من بوابة الملحق بعد الفوز على ليبيا بركلات الترجيح 4-3 في الدوحة، عقب تعادل سلبي في الوقت الأصلي، ليؤكد قدرته على الصمود في المباريات الحاسمة رغم الظروف المعقدة
مباراة الافتتاح الرسمي للبطولة وضعت فلسطين في مواجهة قطر على ملعب البيت في الخور، وسط حضور جماهيري كبير وزخم إعلامي واسع بوصفها مواجهة بين منتخب مستضيف صاعد لكأس العالم ومنتخب فلسطيني يلعب خارج أرضه قسرًا منذ سنوات
. التقارير الأولية أشارت إلى شوط أول متكافئ انتهى بالتعادل السلبي وسط تنظيم دفاعي قوي من الفدائيين ومحاولات قطرية متكررة، قبل أن تتحدث تقارير أخرى عن هدف فلسطيني قاتل في الشوط الثاني أو الوقت بدل الضائع حسم النقاط الثلاث في سيناريو درامي، ما يعكس حالة شد وجذب كبيرة حول أحداث اللقاء وتفاصيله لحظة بلحظة
.قائمة المنتخب وغيابات مؤثرةالمدير الفني إيهاب أبو جزر استدعى قائمة تضم 23 لاعبًا لبطولة كأس العرب، مع مزيج من محترفي الدوريات العربية ونجوم الدوري المحلي، أبرزهم المهاجم عدي الدباغ (المحترف في الزمالك المصري) والجناح تامر صيام، إضافة إلى حامد حمدان في الوسط الهجومي
. التشكيل الأساسي أمام قطر ضم رامي حمادة في حراسة المرمى، ورباعي دفاع من محمد صالح وميلاد تيرمانيني وعميد محاجنة ووجدي نبهان، بينما قاد الوسط الثلاثي مصطفى زيدان وسبع وحامد حمدان، وفي الهجوم تامر صيام وزيد قنبر ومصعب البطاط
.مع ذلك، دخل المنتخب البطولة منقوصًا من سبعة لاعبين بارزين لأسباب إصابات أو ظروف خاصة، بينهم وسام أبو علي (مهاجم كولومبس كرو الأمريكي)، ومحمد حبوس (الأنصار اللبناني)، وعطاء جابر (قطر SC) الغائب منذ إصابة في الرباط الصليبي، وهو ما أكدته تقارير فلسطينية ودولية
. أبو جزر وصف كأس العرب بأنها «محطة مفصلية» في مسار المنتخب، مؤكدًا ثقته في المجموعة الحالية رغم قوة المجموعة ووجود منتخبين سبق وأن شاركا في كأس العالم
.من حلم المونديال إلى تحدي العرب
على امتداد العامين الماضيين، حقق منتخب فلسطين قفزة تاريخية على مستوى القارة؛ فبعد تأهله للدور الثالث من تصفيات كأس العالم 2026 لأول مرة في تاريخه، وبلوغه ثمن نهائي كأس آسيا في نسخة 2023 للمرة الأولى، ترسخت صورة الفدائي كمنتخب صاعد لا يكتفي بالشعارات بل يترجمها نتائج على الأرض
. حملة تصفيات المونديال انتهت بطريقة مؤلمة، بعد ركلة جزاء متأخرة أمام عمان حرمت المنتخب من الاستمرار في سباق الوصول للجولة الرابعة، رغم أنه كان على بعد دقائق فقط من تحقيق إنجاز تاريخي جديد
.هذه التجربة، بما حملته من فخر ومرارة، انعكست على عقلية اللاعبين قبل كأس العرب، إذ ينظرون للبطولة كنقطة تعويض معنوي وفرصة لإثبات أن ما حدث في التصفيات لم يكن مجرد «فورة مؤقتة» بل جزء من مسار تطور حقيقي للكرة الفلسطينية
. كما تمنح البطولة الجهاز الفني فرصة ذهبية لمنح اللاعبين الشباب مزيدًا من الخبرة الدولية، تمهيدًا لخوض نهائيات كأس آسيا 2027 في السعودية التي حسم المنتخب تأهله إليها مبكرًا
.منتخب بلا ملعب وعبء السياسة على الكرةأحد أبرز عناوين حكاية المنتخب الفلسطيني أنه منتخب يلعب مبارياته البيتية في «ملاعب مستعارة»، إذ اضطر في مراحل مختلفة من التصفيات الآسيوية إلى خوض مبارياته في الأردن وقطر وغيرها بسبب الحرب على غزة ومنع إقامة مباريات دولية رسمية على الأراضي الفلسطينية
. هذا الواقع لا يؤثر فقط على الدعم الجماهيري المباشر في المدرجات بل يفرض أعباء سفر وإقامة وترحال مستمرة على اللاعبين، ما يضاعف من التحديات البدنية والنفسية مقارنة بمنتخبات المنطقة الأخرى
.برغم ذلك، تُظهِر جماهير الجاليات الفلسطينية والعربية في الملاعب التي تستضيف المنتخب حضورًا لافتًا، كما حدث في تصفيات كأس العالم وأمم آسيا، ما حوّل المدرجات في عمّان والدوحة وغيرها إلى منصات دعم سياسي ومعنوي بقدر ما هي منصات تشجيع رياضي
هذا التماهي بين القضية الوطنية والأداء الكروي جعل كل مباراة للمنتخب حدثًا يتجاوز حسابات الفوز والخسارة إلى مساحة رمزية أوسع، وهو ما يفسر الاهتمام العربي الكبير بمشاركته في كأس العرب 2025.الآتي في مشوار فلسطينبعد مباراة الافتتاح أمام قطر، يواصل المنتخب الفلسطيني مشواره في كأس العرب بمواجهة تونس على استاد لوسيل، ثم سوريا على استاد المدينة التعليمية، في مواعيد متقاربة زمنيًا تفرض على الجهاز الفني إدارة دقيقة للجهد البدني وتدويرًا محسوبًا للتشكيل
. المهمة تبدو صعبة على الورق أمام منتخبات تملك خبرة كأس العالم أو بطولات قارية كبيرة، لكن تصريحات الجهاز الفني تؤكد أن الهدف هو «المنافسة حتى النفس الأخير» وعدم الاكتفاء بصورة مشرفة فقط
.وموازاةً مع كأس العرب، يترقب الشارع الرياضي الفلسطيني قرعة واستعدادات المراحل اللاحقة من التصفيات المؤهلة لكأس آسيا 2027 وما تبقى من مسار تصفيات المونديال عبر بوابة الملحق القاري المحتمل، ما يبقي المنتخب في قلب روزنامة الاتحاد الآسيوي خلال السنوات القليلة المقبلة
. في كل هذه المسارات، يظل منتخب فلسطين نموذجًا حيًا على أن كرة القدم يمكن أن تُبقي القضية حاضرة في الوعي العربي والعالمي من زاوية مختلفة، وأن جيلاً جديدًا من اللاعبين يحاول كتابة تاريخ رياضي لا ينفصل عن تضحيات شعبه على الأرض.










