بعد تعهدات التعويض والدعم.. هل تكفي المساعدات المالية لغلق ملف أكبر حريق تجاري في المنصورة بشمال مصر ؟
حريق سوق الخواجات في المنصورة تحوّل خلال ساعات إلى واحدة من أكثر الكوارث المحلية إيلامًا هذا العام، بعد أن أودى بحياة 5 أشخاص وأصاب 13 آخرين، والتهم مبنى تجاريًا كاملاً للبضائع في قلب المدينة التاريخية.
الحدث لم يتوقف عند مشاهد النيران والدخان، بل فتح بابًا واسعًا لأسئلة مريرة عن اشتراطات السلامة في المولات القديمة، ومسئولية الجهات الرقابية أمام تكرار سيناريو “ماس كهربائي يلتهم كل شيء” في ثوانٍ.
بداية الحريق وسيناريو الساعات الأولى
البلاغ الأول وصل إلى أجهزة الأمن في الساعات الأولى عن اندلاع حريق داخل مول ملابس مكوَّن من عدة طوابق بمنطقة سوق الخواجات بشارع بورسعيد، وهو واحد من أكثر البقاع ازدحامًا بالحركة التجارية في المنصورة.
مع وصول قوات الحماية المدنية، تبين أن النار اشتعلت في مخزن تابع للمول، قبل أن تمتد سريعًا إلى الطوابق العلوية وتلتهم محتويات المبنى بالكامل وسط صعوبة في السيطرة على ألسنة اللهب.
التعامل مع الحريق استدعى الدفع بعدد كبير من سيارات الإطفاء، وفرض كردون أمني موسع حول المنطقة، مع فصل التيار الكهربائي والغاز كإجراء احترازي لمنع امتداد النيران إلى المباني المجاورة في الحي التجاري المكتظ.
ورغم نجاح القوات في محاصرة الحريق داخل نطاق المول، إلا أن حجم الخسائر البشرية والمادية كشف عن قسوة اللحظات الأولى التي حوصِر فيها عاملون وزبائن داخل المبنى.
حصيلة الضحايا والخسائر
الأرقام الرسمية الصادرة عن المحافظة ووسائل الإعلام المحلية أكدت وفاة 5 أشخاص وإصابة 13 آخرين، تنوعت إصاباتهم بين حروق واختناق أثناء محاولات الهرب أو المشاركة في الإطفاء.
تم نقل المصابين إلى مستشفى الطوارئ بالمنصورة لتلقي الإسعافات اللازمة، بينما أودعت جثامين الضحايا في المشرحة قبل تسليمها لذويهم وبدء مراسم تشييع مؤثرة في قرى ومناطق مختلفة بالدقهلية.
على الصعيد المادي، تشير التقديرات الأولية إلى خسائر بملايين الجنيهات، بعد أن التهمت النيران كميات ضخمة من الملابس والبضائع المخزنة، وألحقت أضرارًا هيكلية بالمبنى وشبكات الكهرباء والتبريد، ما يجعل تكلفة إعادة التأهيل والترميم مرتفعة للغاية.
اللجنة الفنية التابعة لمديرية العمل قدّرت أن البضاعة تلفت بالكامل في أغلب الطوابق باستثناء البدروم، مع استمرار حصر الخسائر لحظة بلحظة.
رواية الجهات الرسمية وأسباب الحريق
تقارير اللجنة المختصة في مديرية العمل بالدقهلية رجّحت أن ماسًا كهربائيًا بالأدوار العلوية، مرتبطًا باستخدام غلايات مياه دون اشتراطات الأمان، كان الشرارة الأولى التي أدت إلى امتداد النيران في المبنى.
اللجنة أوضحت أن المول مكوَّن من عدة طوابق وبدروم، وأن طبيعة التخزين وكثافة البضائع القابلة للاشتعال ساعدت على انتشار النار بسرعة وصعوبة السيطرة المبكرة عليها.
هذه الرواية الرسمية أثارت في المقابل تساؤلات متداولة بين الأهالي والتجار حول مدى التزام المبانى التجارية القديمة باشتراطات السلامة، من حيث التهوية، ومخارج الطوارئ، وأنظمة الإطفاء الذاتية.
بعض الشهادات المتداولة عبر منصات التواصل ركزت على أن ضحايا الحريق بينهم أب وابنه حاصرهما الدخان أثناء محاولة الفرار، ما زاد من حدة الغضب الشعبي تجاه ما يُنظر إليه كإهمال مزمن في تطبيق معايير الأمان.
تحركات الدولة والمحافظة والتضامنعلى الجانب الرسمي، تابع رئيس الوزراء تطورات الحريق مع محافظ الدقهلية والجهات المعنية للوقوف على حجم الخسائر وضمان سرعة التعامل مع آثار الكارثة.
محافظ الدقهلية زار موقع الحريق ومستشفى الطوارئ، وقدم التعازي لأسر الضحايا، مؤكدًا توفير الرعاية الطبية والاجتماعية الكاملة للمصابين وأسرهم، وأن العمل مستمر في الموقع حتى إزالة آثار الحادث تمامًا.
وزارة التضامن الاجتماعي بدورها أعلنت صرف مساعدات مالية عاجلة لأسر المتوفين والمصابين، ووجهت فرق الإغاثة بالهلال الأحمر بتقديم تدخلات ميدانية فورية، تشمل الدعم النفسي والمادي في محيط الحادث.
كما جرى تكليف الجهات التنفيذية بسرعة إنهاء إجراءات تصاريح الدفن وتعويض المتضررين من التجار، في محاولة لتقليل آثار الصدمة الاقتصادية والاجتماعية التي ضربت قلب السوق الشعبي.
صدمة شعبية وأسئلة مفتوحة
مشاهد تشييع الجثامين في الدقهلية، ولقطات انهيار أسر فقدت أكثر من فرد في نفس الحادث، حوّلت حريق سوق الخواجات من مجرد خبر محلي إلى قضية رأي عام تملؤها مشاعر الحزن والغضب.
الصور ومقاطع الفيديو التي وثّقت لحظات اشتعال المول وصرخات الأهالي حول المكان أعادت للأذهان كوارث مشابهة وقعت في أسواق ومصانع خلال السنوات الماضية، مع اتهامات متكررة لغياب الردع والحسم في ملف السلامة المهنية.
ورغم سرعة تحرك أجهزة الإطفاء والتضامن والمحافظة، يبقى السؤال الأهم مطروحًا في الشارع: هل تنتهي القصة عند حدود “تعويض عاجل وتقرير عن ماس كهربائي”، أم تشكل هذه المأساة نقطة تحول حقيقية في التعامل مع أوضاع المولات القديمة والمخازن المكتظة في قلب المدن؟
بين دموع الوداع وأصوات التجار المنكسرين، يبدو أن حريق سوق الخواجات قد فتح ملفًا أكبر بكثير من مساحة المول نفسه، ملفًا عنوانه: ثمن الإهمال في الاقتصاد الشعبي وحياة الناس.










