يصل نيودلهي لأول مرة منذ 2021 لتعزيز الشراكة الهندية–الروسية في مجالات الدفاع والطاقة والتجارة، وسط ضغوط أميركية ومباحثات حول التعاون النووي والتنسيق داخل تكتلات “بريكس” وشنغهاي
تكشف زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الهند — في أول حضور له بنيودلهي منذ 2021 — عن لحظة دبلوماسية شديدة الحساسية، إذ تحاول الهند المناورة بين شراكتها التقليدية مع موسكو وضغوط واشنطن، بينما تمتد أجندة المحادثات لتشمل الدفاع والطاقة والتعاون النووي والتجارة والتنسيق داخل “بريكس”
وصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى نيودلهي اليوم الخميس للمشاركة في القمة الهندية–الروسية الثالثة والعشرين، في زيارة يعتبرها مراقبون محطة أساسية في توجهات الهند الدبلوماسية، بينما يسعى الطرفان لتوثيق شراكتهما الدفاعية والطاقوية وسط تحولات دولية وضغوط غربية متصاعدة.
ويرى محللون أن الزيارة تشكّل اختباراً حقيقياً لقدرة الهند على الموازنة بين علاقاتها التاريخية مع موسكو ومتطلبات علاقتها مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي تضغط بقوة لإعادة رسم حدود التعاون بين نيودلهي والكرملين.
ومن المنتظر أن يبحث الجانبان أجندة واسعة تمتد من التعاون الدفاعي والطاقة إلى المشاريع النووية وآليات الدفع المالي، إضافة إلى التنسيق داخل تكتلات مثل “بريكس” ومنظمة شنغهاي للتعاون
يؤكد الخبير الدفاعي برافين ساوني في تصريح لوكالة الأناضول أن هذه الزيارة تُعد “الأكثر أهمية للهند خلال عام 2025”، مشيراً إلى أنها تأتي من “شريك تاريخي للهند وفي لحظة يشهد فيها العالم تحولات عميقة”.
وفي السياق نفسه، يرى المحلل السياسي برافين دونثي أن اللقاء يمنح الجانبين فرصة لـ“إعادة تأكيد خصوصية العلاقة بينهما، رغم الضغوط الكبيرة التي يمارسها الرئيس ترامب عبر الرسوم الجمركية والإجراءات الاقتصادية”.

تعاون دفاعي واتفاقيات استراتيجية
من المتوقع أن يحتل ملف التعاون الدفاعي صدارة محادثات القمة، إذ تسعى نيودلهي إلى تحريك صفقات بارزة تشمل منظومة الصواريخ المتقدمة “إس-400” ومقاتلات “سو-57” الشبحية.
ويقول ساوني إن هذا الملف أصبح “بالغ الحساسية” بالنسبة للهند، لاسيما بعد الدروس التي خرجت بها من المواجهة العسكرية القصيرة مع باكستان في مايو الماضي، مشيراً إلى أن روسيا تعرض اليوم حزمة واسعة من الخيارات تشمل نقل التكنولوجيا، وخطوط إنتاج مشتركة، ومشاريع تطوير لأنظمة قتالية جديدة.
وقبل انعقاد القمة، أقرت موسكو اتفاق “التبادل المتبادل للدعم اللوجستي” (RELOS)، الذي يسمح للطرفين باستخدام المنشآت العسكرية التابعة لكل منهما للتزوّد بالوقود والصيانة والإمداد.
ويرى خبراء أن الاتفاق يعكس توجهاً روسياً متزايداً نحو تعزيز حضورها في المحيط الهندي، فيما يمنح الهند فرصة نادرة للولوج إلى عمليات روسيا في القطب الشمالي والممر البحري الشمالي
الطاقة والتعاون النووي والتجارة
كما ان ملف الطاقة يحتل مركزاً رئيسياً في المباحثات، في وقت تضغط إدارة ترامب لإجبار الهند على وقف شراء النفط الروسي.
وكان ترامب قد صرّح في أكتوبر بأن رئيس الوزراء ناريندرا مودي “أبلغه” بأن الهند ستتوقف قريباً عن استيراد النفط الروسي — وهو ما لم تؤكده نيودلهي.
وقال متحدث حكومي هندي إن المناقشات ما زالت جارية، مؤكداً أن قرارات الاستيراد “تستند فقط إلى حماية مصالح المستهلك الهندي في ظل تقلبات سوق الطاقة”.
ورغم التراجع الأخير في الواردات بسبب العقوبات الأميركية، تبقى روسيا أكبر مورّد للنفط إلى الهند.
ويؤكد أوليغ إغناتوف من “مجموعة الأزمات الدولية” أن الهند “لا يمكنها إيجاد بديل يغطي حجم النفط الروسي، سواء للاستهلاك المحلي أو لإعادة التصدير”.
أما في قطاع الطاقة النووية، فتواصل روسيا بناء عدة وحدات في محطة كودانكولام بولاية تاميل نادو.
ويشير ساوني إلى أن التعاون النووي “ينتقل الآن إلى مرحلة جديدة تشمل المفاعلات النووية الصغيرة المعيارية”.
وفي ما يتعلق بالتجارة، يهدف البلدان لرفع التبادل التجاري إلى 100 مليار دولار بحلول 2030، بعدما بلغ مستوى قياسياً عند 68.7 مليار دولار في السنة المالية 2024–2025 — أي نحو ستة أضعاف ما قبل الجائحة.
وتشمل المباحثات أيضاً احتمال التوصل لاتفاق تجارة حرة مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، إضافة إلى التعاون في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
رسائل موجهة إلى الغرب
يرى محللون أن للزيارة أيضاً بُعداً رمزياً موجهاً للغرب، إذ ترغب الهند في إظهار استقلاليتها الاستراتيجية.
ويقول إغناتوف إن روسيا تنظر إلى علاقتها مع الهند على أنها “علاقة بين ندّين”، وإن الزيارة تبعث برسالة بأن التعاون بين الجانبين — رغم الضغوط الغربية — سيستمر في مجالات الأمن والطاقة والمنظمات متعددة الأطراف.
ويضيف: “بوتين يريد الإيحاء بأن روسيا تواصل علاقاتها الاقتصادية مع الهند، بما فيها الطاقة، رغم العقوبات”.
ويؤكد خبراء أن الجانبين لا يسعيان لإظهار التعاون وكأنه تحدٍّ مباشر للولايات المتحدة أو أوروبا.
“إنها علاقة قائمة على المصالح المتبادلة وليست موجهة ضد أي قوة”، وفق إغناتوف.
ومع تولي الهند رئاسة تكتل بريكس عام 2026، تبدو نيودلهي بحاجة إلى علاقات متوازنة مع كلٍّ من موسكو وبكين.
ويقول ساوني إن “روسيا ما زالت شريكاً موثوقاً”، لكنه يشير إلى أن الهند “ملتزمة استراتيجياً بالولايات المتحدة” في ضوء اتفاق دفاعي جديد مدته عشر سنوات.
وتأتي الزيارة أيضاً في ظل تصاعد المفاوضات الأميركية-الروسية حول خطة سلام محتملة في أوكرانيا — وهي تطورات يقول محللون إنها ستكون حاضرة بقوة في محادثات مودي وبوتين.
ويضيف إغناتوف أن الهند تنظر بإيجابية للمقترحات الأميركية، “لأن إنهاء الحرب يخدم تجارتها مع روسيا ويجنّبها العقوبات الثانوية”.










