شهدت الساحة الإقليمية ارتباكًا غير مسبوق بعد نشر وثيقة رسمية عراقية تضمنت تصنيف حزب الله والحوثيين كتنظيمين إرهابيين، قبل أن تتراجع السلطات سريعًا وتصف الأمر بأنه خطأ إجرائي. خطوة أحدثت صدمة سياسية وأعادت تسليط الضوء على التوازنات المعقدة بين بغداد وطهران وتأثير الضغوط الإقليمية والدولية.
لساعات قليلة فقط بدا الشرق الأوسط وكأنه على وشك التحوّل جذريًا، بعدما نقل موقع “شفق نيوز” العراقي أن بغداد صنّفت حزب الله اللبناني وجماعة الحوثيين في اليمن على قائمة الكيانات الإرهابية، وفق ما ورد في العدد رقم 4.848 من الجريدة الرسمية الصادر في 17 نوفمبر 2025. القائمة تضمنت الجهات الخاضعة لتجميد الأموال من قِبل لجنة تجميد أموال الإرهابيين المنشأة بموجب القانون رقم 39 لسنة 2015 واللائحة رقم 6 لعام 2023.
غير أن هذا الزلزال السياسي لم يدم طويلًا؛ فبعد ساعات فقط خرجت السلطات العراقية بنبرة مغايرة تمامًا، متحدثة عن “خطأ في النشر” و”مسودة غير نهائية”، لتضع البلد في قلب حالة واسعة من الارتباك والغموض حول حقيقة القرار وخلفياته.
نشر يثير عاصفة… وقائمة تفتح باب الشكوك
الوثيقة، التي تداولتها وسائل الإعلام، أشارت إلى تجميد كامل للأموال المنقولة وغير المنقولة للكيانات المذكورة، ومنع أي تعاملات مالية معها، استنادًا إلى قرارات مجلس الأمن الخاصة بتنظيم “داعش” والقاعدة.
القائمة شملت أيضًا الرئيس السوري أحمد الشرع (المعروف سابقًا بلقب أبو محمد الجولاني)، لكن النص أوضح أن الإشارة تتعلق برفع تجميد سابق وليس بإضافة جديدة على قائمة الإرهاب.
هذا اللبس فجّر ردود فعل واسعة داخل العراق، وفسّرته بعض القوى كتحوّل مفاجئ في سياسة بغداد تجاه حلفائها التقليديين ضمن المحور الشيعي الإقليمي.
تراجع مربك… ونسخ متضاربة
وكالة الأنباء العراقية الرسمية “INA” ألمحت سريعًا إلى أن الأمر ربما يعود لـ”خطأ إجرائي” أو نشر مسودة غير مصادق عليها.
في الوقت ذاته، تناقل قنوات مقربة من الميليشيات الشيعية رسالة منسوبة إلى لجنة تجميد أموال الإرهاب، تفيد بأن القائمة الأصلية تخص داعش والقاعدة فقط، وأن إدراج حزب الله والحوثيين جاء نتيجة “نشر غير مُراجع”.
ثم جاءت رسالة رسمية مؤرخة في 4 ديسمبر 2025 من عمار حمد خلف، نائب محافظ البنك المركزي ورئيس اللجنة، تطلب حذف الفقرتين المتعلقتين بحزب الله والحوثيين، مؤكدة أن النشر تم “قبل إدراج الملاحظات اللازمة” وأن اللجنة لم توافق مطلقًا على تصنيفهما.
انعكاسات سياسية أعمق داخل العراق
ورغم التوضيحات، أثارت الواقعة تساؤلات حول خلفياتها في لحظة سياسية حساسة يعيشها العراق.
فالحكومة العراقية تحاول منذ سنوات السير بين خطوط دقيقة:
• القرب من إيران والتحالفات الشيعية التقليدية،
• وفي المقابل تجنّب الصدام مع الولايات المتحدة التي تضع حزب الله والحوثيين ضمن قوائم الإرهاب.
الملف يزداد تعقيدًا في ظل نفوذ الميليشيات الموالية لطهران داخل العراق، ودورها في الإقليم، لا سيما بعد حرب غزة، حيث نفّذت مجموعات عراقية ويمنية عمليات ضد أهداف إسرائيلية وضد الملاحة الدولية، في إطار ما تسميه طهران “وحدة الجبهات”.
احتمالات متعددة… من “الخطأ البيروقراطي” إلى “المناورة السياسية”
دوائر سياسية في بغداد لم تستبعد أن يكون هذا الارتباك نتيجة:
• خطأ إداري فادح أو نشر مسودة غير مكتملة،
• أو تسريب متعمّد للضغط على الحكومة خلال مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة،
• أو محاولة لإضعاف رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في مواجهة قوى “الإطار التنسيقي”.
خصوصًا أن بعض الأطراف استغلت النشر للهجوم على الحكومة، مثل النائب مصطفى سند، الذي وصف الأمر بأنه “فضيحة”، مهاجمًا مقارنة بين تصنيف الحوثيين وحزب الله وبين “ترشيح ترامب لنوبل للسلام”، على حد تعبيره.
ضغط خارجي محتمل
لا يُستبعد أيضًا أن أطرافًا خارجية، وعلى رأسها إسرائيل، حاولت استغلال الظرف لتقويض المحور الإيراني، خاصة في ضوء التصعيد الإسرائيلي المتزامن في لبنان ومساعيها لعزل حزب الله دوليًا.
خلاصة المشهد
رغم التراجع الرسمي، كشفت الحادثة هشاشة عمليات اتخاذ القرار في العراق، وتناقض الضغوط الداخلية والخارجية، وتذكّر بأن بنية التحالفات الشيعية الإقليمية تمرّ بمرحلة شديدة الحساسية، حيث يمكن لـ”خطأ إداري” – أو ما يبدو كذلك – أن يتحوّل إلى قنبلة سياسية إقليمية.











