في خضم اضطرابات غير مسبوقة شهدتها مدينة بوراما عاصمة إقليم أودال خلال الأيام الماضية، أصدرت وزارة خارجية أرض الصومال في 6 ديسمبر/كانون الأول 2025 بيانا شديد اللهجة اتهمت فيه الحكومة الفيدرالية الصومالية في مقديشو بالوقوف وراء “تدخل متعمد ومنسق” يهدف إلى استغلال المظالم المحلية وتهديد سيادة أرض الصومال.
خلفية الأزمة: تراكم تاريخي ومظالم محلية
لطالما شكلت بوراما، المدينة الحدودية ذات التركيبة العشائرية المتنوعة، نقطة حساسة في علاقات المركز مع الأقاليم، خاصة مع المطالب المتكررة من بعض النشطاء بإقامة “دولة أودال”. وتحمل المنطقة تاريخا ثقيلا من أحداث مذبحة بوراما عام 1991، التي لا تزال ذكراها محظورة رسميا، ما أبقى حالة الاستياء قائمة.
الشرارة الأخيرة: إلغاء احتفال ثقافي يشعل الشارع
اندلعت الاحتجاجات في بوراما وزيلع مطلع نوفمبر بعد أن ألغت حكومة أرض الصومال احتفالا كان مقررا في 5 ديسمبر احتفاء باعتراف اليونسكو بالقانون العرفي لقبيلة عيسى كتراث ثقافي غير مادي.
ورأى السكان في قرار الإلغاء تهميشا متعمدا، ما أدى إلى مواجهات عنيفة يومي 4 و5 ديسمبر خلفت ما لا يقل عن 10 قتلى وعشرات المعتقلين، إضافة إلى نهب البنك المركزي وحرق ممتلكات عامة.
وتداولت وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع تظهر متظاهرين يرفضون سلطة أرض الصومال ويرفعون شعارات “دولة أودال” وسط اتهامات بأن مقديشو تشجع هذه التحركات.
اتهامات أرض الصومال لمقديشو
جاء بيان أرض الصومال ليؤكد وجود “تحريض سياسي ودعاية منسقة” من قبل الحكومة الفيدرالية، مشيرا إلى تضخيم وسائل إعلام تابعة لمقديشو للاحتجاجات لتصوير أرض الصومال كمنطقة غير مستقرة.
ودعم نشطاء انفصاليين في الخارج وتمويل تحركاتهم، ونمط “تدخلات ممنهجة” سبق أن ظهر في نزاعات حول المجال الجوي وانتخابات المناطق وملف اتفاقية موانئ 2024 بين إثيوبيا وأرض الصومال.
وتعهدت هرجيسا بالحفاظ على “استقرار ثابت”، محذرة من رد قوي على أي تدخل إضافي.
موقف الحكومة الاتحادية في مقديشو
لم يصدر رد رسمي مباشر على البيان حتى الآن، لكن مسؤولين في الحكومة الفيدرالية وصفوا الاضطرابات بأنها “رفض شعبي لحكم أرض الصومال القمعي”، معتبرين أن الاحتجاجات دليل على تراجع دعم الانفصال.
ويشير محللون إلى أن مقديشو تستغل السخط الإقليمي للضغط باتجاه مفاوضات إعادة الإدماج الفيدرالي المتعثرة منذ 2012.
في المقابل، أدان شيوخ عشائر ونواب من أودال “القوة المفرطة” التي استخدمتها سلطات أرض الصومال، مطالبين بانسحاب القوات ومهددين باتخاذ إجراءات للدفاع الذاتي.
تداعيات إقليمية تتجاوز الحدود
يأتي التصعيد في لحظة حساسة في القرن الأفريقي إثيوبيا قد تضاعف دعمها لأرض الصومال المرتبطة معها بمذكرة التفاهم البحرية لعام 2024.
تركيا وقطر تدعمان مقديشو في إطار رؤيتهما للوحدة الصومالي، ومخاطر أمنية تشمل احتمال استغلال الفوضى من قبل حركة الشباب.
ومخاوف دولية دفعت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة للدعوة إلى التهدئة، خصوصا مع تداخل التوترات في ملف المجال الجوي واختراقات أنظمة التأشيرات الإلكترونية.
مخاوف إنسانية متصاعدة
ترافق العنف مع انتهاكات خطيرة، وفق تقارير حقوقية، من بينها القتل خارج القانون، واعتقالات واسعة، وقمع للاحتجاجات—في مشهد مشابه لما يحدث في مناطق أخرى تسيطر عليها الحكومة الفيدرالية.
التطورات في بوراما ليست مجرد اضطرابات محلية، بل صراع سيادة ممتد منذ عقود، يزداد تعقيدا نتيجة التدخلات الإقليمية والانقسامات الداخلية، وسط مخاوف من انزلاق المنطقة إلى دوامة عنف تهدد استقرار القرن الأفريقي بأكمله.










