تسريبات مصوّرة وصوتية حديثة لبشار الأسد مع مستشارته السابقة لونا الشبل، إضافة إلى ملفات استخباراتية ووثائق عن أجهزة الأمن والسجون، أشعلت عاصفة سياسية وحقوقية وإعلامية جديدة حول طبيعة نظامه وخطابه الحقيقي تجاه السوريين وحلفائه.
التسجيلات التي بثتها قنوات عربية، إلى جانب ما كُشف ضمن ما يُعرف بملف «دمشق دوسييه»، قدّمت صورة فاضحة عن ازدراء الأسد لبعض مناطق سوريا وسكانها، مقابل وثائق توثّق منهجية التعذيب والقتل داخل سجونه خلال سنوات حكمه.
مضمون التسريبات المصورة مع لونا الشبل
القنوات الإخبارية التي حصلت على التسجيلات بثّت مقاطع يظهر فيها بشار الأسد وهو يقود سيارة وخلفه آليات عسكرية، بينما تجلس بجواره مستشارته السابقة لونا الشبل، في حوار خاص عن الغوطة الشرقية ومآلات الحرب.
في أحد المقاطع يتحدث الأسد بسخرية عن الغوطة وسكانها، مستخدمًا ألفاظًا نابية بحق المنطقة، بينما تناقشه الشبل في «تباهي حزب الله بقدراته» قبل أن تشير إلى غيابه عن المشهد في مرحلة معينة.
تسريب آخر يكشف حوارًا بينهما حول شعوره تجاه سوريا، حيث يُنقل عنه تعبيرات توصف بأنها ازدراء وقرف من واقع البلاد، في تناقض صارخ مع خطاباته العلنية التي تتحدث عن «الصمود» و«التلاحم».
هذه المقاطع، بحدة لغتها وعفويتها داخل سيارة مغلقة، قدّمت للجمهور صورة حقيقية نسبية لحديث الرئيس مع دائرته الضيقة بعيدًا عن كاميرات الإعلام الرسمي.
صدى التسريبات على وسائل الإعلام والسوشيال ميدياالتسريبات أشعلت موجة واسعة من الغضب على منصات التواصل الاجتماعي، حيث اعتبر كثير من السوريين أن شتائم الأسد للغوطة تمثّل إهانة مباشرة لضحايا القصف والحصار الذين قُتلوا أو هجّروا من المنطقة.
ناشطون وإعلاميون معارضون تداولوا المقاطع مرفقة بشهادات سابقة عن معاناة الأهالي، معتبرين أن ما قيل في السيارة يفضح حقيقة نظرة رأس النظام لمواطنيه ومناطق الاحتجاج ضده.
في المقابل، حاولت حسابات موالية للنظام التقليل من أهمية التسريبات، بوصفها «اجتزاء لمقاطع من سياقها» أو «مواد قديمة أعيد تدويرها»، مع التركيز على أن بثها يأتي في توقيت سياسي حساس لإحراج حلفاء دمشق العرب.
محللون ربطوا توقيت إذاعة التسريبات بتحولات في مواقف بعض الدول الخليجية من الأسد، خصوصًا بعد نقاشات داخلية حول جدوى إعادة التطبيع معه في ظل تراكم الانتهاكات والوثائق المسربة.
«دمشق دوسييه» والملفات المسربة عن أجهزة الأمنبالتوازي مع التسريبات المصورة، كشفت مؤسسات إعلامية دولية ومنظمات حقوقية عن واحدة من أضخم التسريبات الوثائقية الخارجة من أرشيف أجهزة الأمن السورية، تضم آلاف الملفات التي توثق آليات المراقبة والقمع خلال عقود.
هذه الوثائق، التي وُصفت باسم «دمشق دوسييه»، تشمل تقارير شُعب المخابرات المختلفة عن مواطنين سوريين، وسجلات لمتابعة الاتصالات والأنشطة، وأوامر تتعلق بالاعتقال والتحقيق داخل السجون.
تحليل الصور والوثائق المسربة أظهر نمطًا ممنهجًا من التعذيب والقتل بحق آلاف المعتقلين، مع توثيق دقيق لأرقام الجثث وصور الضحايا، وهو ما اعتبره حقوقيون «أرشيفًا للموت» يمكن أن يُستخدم لاحقًا أمام المحاكم الدولية لملاحقة المسؤولين عن الجرائم.
منظمات دولية معنية بالعدالة الانتقالية أكدت أن التسريب الحالي يفتح نافذة جديدة لمطالب المحاسبة، خصوصًا أن الوثائق تربط بين أوامر عليا وسلاسل تنفيذية داخل بنية النظام الأمنية.
البعد السياسي والإقليمي للتسريباتالتسريبات المصورة التي نشرتها قنوات عربية أثارت أسئلة عن الجهة التي امتلكت هذه المواد لسنوات، ولماذا اختارت هذا التوقيت بالذات للكشف عنها، خاصةً مع استمرار الجدل حول مسار إعادة النظام السوري إلى الحضن العربي.
تحليلات سياسية رجّحت أن تكون هذه التسجيلات جزءًا من «أوراق ضغط» استخدمتها بعض الدول في كواليس التفاوض مع دمشق، قبل أن تقرر إشهارها عندما تراجعت قناعتها بجدوى الرهان على الأسد أو مع تصاعد الانتقادات الداخلية لسياسات التطبيع.
إقليميًا، تلفت التسريبات الانتباه إلى موقع حلفاء الأسد في لبنان وإيران وحزب الله، إذ يظهر في الحوارات قدر من السخرية أو التذمر من أداء بعض الحلفاء، ما قد يخلق حرجًا سياسيًا داخل هذه المحاور رغم استمرار تماسكها في العلن.
في الوقت نفسه، تمنح وثائق «دمشق دوسييه» وزخم التسريبات الجديدة أدوات إضافية للمعارضة السورية والمنظمات الدولية لمطالبة العواصم المترددة بإعادة تقييم علاقتها مع النظام، ووضع شروط أكثر تشددًا تتعلق بالمحاسبة وحقوق الضحايا.
غضب الضحايا وملف المحاسبةبالنسبة لعائلات المعتقلين وضحايا الحرب، تأتي هذه التسريبات كجرح مفتوح يذكّرهم بما عاشوه، لكنها في الوقت نفسه تمنحهم مادة ملموسة تدعم رواياتهم عن وحشية الأجهزة الأمنية والسجون.
كثير من الناجين والحقوقيين يرون أن نشر الملفات والصور دون خطة واضحة للمحاسبة قد يفتح الباب لانتقام فردي وفوضى، بينما يدعو آخرون إلى استخدام هذه المادة في مسار قضائي منظم يضمن حقوق عائلات الضحايا ويمنع إفلات الجناة من العقاب.
في الداخل السوري، وعلى الرغم من تغيّر الخريطة السياسية والأمنية، تبقى هذه التسريبات عنصر ضغط معنوي على من تورّطوا في منظومة القمع، خصوصًا مع خوفهم من أن تكشف الوثائق أسماء المخبرين والمتعاونين المحليين الذين لعبوا دورًا في اعتقال وتعذيب جيرانهم وأقاربهم.
وبينما تختلف ردود الفعل بين شعور بالشماتة في صورة الأسد المهزوزة، وخوف من انفلات الغضب الشعبي، يبقى الثابت أن عصر السرية المطلقة الذي أحاط بالنظام لعقود يتآكل أمام موجات متتابعة من الصور والتسجيلات والوثائق المسربة.









