أثار الرئيس السوري أحمد الشرع جدلا واسعا بعد تصريحاته خلال مشاركته في جلسة حوارية بمنتدى الدوحة 2025، حيث نفى أن تكون الثورة السورية “ثورة سنية”، مؤكدا أن جميع الطوائف شاركت فيها، وأن العلويين كانوا من أكثر الفئات التي دفعت ثمن ممارسات النظام السابق من فقر وتجويع وخوف.
رسائل الشرع: الثورة ليست طائفية… والعلويون دفعوا ضريبة النظام
الشرع قال صراحة: “لا يمكن تعريف الثورة السورية بأنها ثورة سنية… شارك فيها جميع أطياف الشعب السوري”.
وأضاف أن العلويين لم يكونوا “مستفيدين” من نظام الأسد كما يروج، بل عانوا من الفقر والخوف، مشيرا إلى زيارات ميدانية لقرى علوية كشفت حجم التدهور المعيشي فيها.
كما شدد على أن الحكومة السورية الحالية تضم تمثيلا طائفيا واسعا، وأن حقوق المرأة مصانة، مع العمل على رفع نسبة مشاركتها في مجلس النواب والحكومة.
المراقبون: ليست مراجعة فكرية بل انعكاس لتحول تركي
يرى مراقبون أن تصريحات الشرع لا تعبر عن تحول أيديولوجي أو مراجعة فكرية، بل تتصل مباشرة بالتغيرات الجارية في المقاربة التركية للملف السوري، مع تضييق هامش الوقت أمام أنقرة في ظل ترتيبات إقليمية ترعاها الولايات المتحدة وإسرائيل.
تصريحات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان لوكالة رويترز، بأن أنقرة “لم تعط دمشق شيكا على بياض لقمع الأقليات”، تمثل أحد أهم المؤشرات على دخول تركيا مرحلة خطاب سياسي–دستوري بعد سنوات طويلة من المقاربة الأمنية.
هذا الخطاب التركي لم يأت من فراغ بدوره.
زيارة الوفد البرلماني التركي لعبدالله أوجلان، وما كشفته النائبة كوليستان كيليج كوج يغيت من تفاصيل خطيرة، أبرزها التحذير من انهيار مسار السلام واحتمالات “اضطرابات داخلية” وحتى سيناريوهات انقلاب، كل هذا يعكس حجم القلق التركي من الملف الكردي في لحظة إقليمية تعاد فيها صياغة موازين القوى.
تركيا تشعر أن الوقت يضيق، وأن ترتيبات إقليمية أكبر تطبخ برعاية أميركية وإسرائيلية. وبالتالي، تحتاج واجهتها السورية إلى خطاب جديد ينسجم مع المرحلة. هنا بالضبط يمكن قراءة خطاب الشرع.
أوجلان يدخل المشهد… والرسالة إلى الجميع
ما يلفت أكثر هو ما قاله أوجلان عن إسرائيل وسعيها إلى “تفكيك الشرق الأوسط” وبناء تحالف كردي دائم. الرسالة إلى أنقرة كانت واضحة:
إما تسوية تاريخية، أو فراغ يملؤه تحالف قد يقلب التوازنات.
لكن الأهم بالنسبة للملف السوري هو ما كشفه أوجلان حول اتفاق آذار بين دمشق وقسد. فالقول بأن الاتفاق لا ينص على تفكيك قسد وإنما على تقسيمها إلى كتلتين، إحداهما تنضم للدولة والأخرى تبقى في مناطقها، يكشف أن ما يجري على الطاولة أكبر مما نراه. الأدهى أن هذه التفاصيل غير معلنة داخل سوريا، ما يطرح سؤالا صريحا: هل دمشق هي الطرف الذي يماطل في تنفيذ الاتفاق بشروطه الحقيقية؟
الشرع وتحول الخطاب… حين تتحرك أنقرة يتحرك الجميع
ليس بعيدا عن هذا المشهد انقلاب خطاب الشر نحو “مصالحة طائفية”. لا يتعلق الأمر بتحول عقائدي عند الرجل بقدر ما يعكس ارتدادا مباشرا للمطالب التركية التي تريد ضبط المشهد السوري قبل الدخول في مرحلة التسويات الكبرى.
ما يحدث اليوم هو أن كل الفاعلين السوريين، من السلطة إلى قسد إلى الفصائل، يتحركون ضمن هامش ترسمه أنقرة؛ وأنقرة نفسها تتحرك ضمن هامش أكبر ترسمه واشنطن وتل أبيب.
الشرع يحاول أن يواكب زمنا جديدا
بهذا المعنى، يمكن القول إن الشرع لم يقدم خطابا للاستهلاك الداخلي، بل قدم رسالة سيادية–طائفية مهذبة موجهة للخارج:
سوريا الجديدة ليست طائفية، ولا تسعى إلى إقصاء الأقليات، وهي مستعدة لإعادة هيكلة الدولة بما يضمن مشاركة الجميع.
هل هذا يعني أن دمشق في طريقها إلى تغيير جذري؟
ليس بالضرورة، لكن المؤكد أن النظام السياسي الأفصح اليوم يعرف أن خطاب 2011 لم يعد صالحا لزمن 2025، وأن إعادة التموضع ليست خيارا بل ضرورة في لحظة اتساع رقعة التسويات الإقليمية.
تصريحات الشرع ليست مجرد كلمات، هي مؤشر على أن سوريا تدرك أن الإقليم يتحرك بسرعة، وأن تركيا تعيد تعريف أولوياتها، وأن قسد بين خيارات صعبة، وأن إسرائيل تدفع باتجاه واقع جديد، وأن الولايات المتحدة تعيد رسم خريطة اللاعبين.









