تحولت شعاب سطايح في محمية وادي الجمال قبالة مرسى علم بالبحر الأحمر المصري من واحدة من أروع الوجهات البيئية إلى نموذج صارخ للاستغلال السياحي العشوائي، بعدما كانت تُعرف بـ”بيت الدلافين” نظرًا لكونها موطنًا طبيعيًا لمجموعات الدلافين التي تتجمع في مياهها الصافية.
جاء التحذير من تداعيات هذا الوضع على لسان بيير باولو سيليست، منسق العلاقات الدولية في مؤسسة ماريفيفو الإيطالية، خلال مشاركته في الاجتماع الرابع والعشرين للأطراف المتعاقدة في اتفاقية برشلونة وبروتوكولاتها الذي استضافته مصر خلال الفترة من 2 إلى 5 ديسمبر الحالي.
خطر مزدوج يحاصر النظام البيئيأكد سيليست أن شعاب سطايح تواجه اليوم “خطرًا مزدوجًا وأزمة بيئية عالمية تتجلى في تداعيات الاحتباس الحراري وابيضاض الشعاب المرجانية التي تقوّض التنوع البيولوجي، يقابلها ضغط محلي متزايد يتمثّل في التدفق العشوائي للقوارب والأنشطة السياحية، ما يضع الدلافين والنظام البيئي برمته على حافة الانهيار”.
وتشكل هذه التصريحات جرس إنذار بشأن مستقبل واحدة من أهم المحميات البحرية في مصر، التي تمتد على مساحة واسعة من ساحل البحر الأحمر وتضم تنوعًا بيولوجيًا استثنائيًا من الشعاب المرجانية والكائنات البحرية النادرة.
من الجذب السياحي إلى الاستنزاف البيئيشهدت شعاب سطايح خلال السنوات الأخيرة تدفقًا متزايدًا من القوارب السياحية والرحلات البحرية، حيث تحولت من وجهة بيئية محدودة الزيارات إلى مقصد يومي لعشرات القوارب التي تنقل مئات السياح الراغبين في السباحة مع الدلافين والغطس بين الشعاب المرجانية.
هذا التدفق العشوائي أدى إلى اضطراب سلوك الدلافين التي كانت تتخذ من المنطقة موطنًا آمنًا، إذ بات تواجدها متقطعًا ومضطربًا بسبب الضوضاء المستمرة من محركات القوارب والتجمعات البشرية الكثيفة في المياه.
الاحتباس الحراري يفاقم الأزمةإلى جانب الضغط البشري، تواجه شعاب سطايح تهديدًا عالميًا يتمثل في ارتفاع درجات حرارة مياه البحار نتيجة التغيرات المناخية، ما أدى إلى ظاهرة ابيضاض الشعاب المرجانية التي تفقد فيها المرجان الكائنات الدقيقة التكافلية التي تمنحها ألوانها وتساهم في بقائها.
هذه الظاهرة لا تهدد جمال الشعاب فحسب، بل تقوّض النظام البيئي بأكمله، إذ تشكل الشعاب المرجانية مأوى لآلاف الأنواع من الأسماك والكائنات البحرية، وتمثل حاجزًا طبيعيًا يحمي السواحل من التآكل.
ورغم أن شعاب سطايح تقع ضمن نطاق محمية وادي الجمال، إلا أن آليات الإدارة والرقابة على الأنشطة السياحية تبدو غير كافية لحماية هذا الموقع الحساس. فالقوانين المنظمة لأعداد الزوار ونوعية الأنشطة المسموحة لا تُطبق بصرامة، ما يفتح المجال أمام ممارسات ضارة بالبيئة.
كما أن غياب برامج التوعية للسياح والمشغلين السياحيين حول أهمية الحفاظ على البيئة البحرية يزيد من حدة المشكلة، حيث تُمارس أنشطة مثل لمس الشعاب المرجانية والاقتراب المباشر من الدلافين بشكل يضر بها.
الحاجة الملحة لخطة إنقاذ
يشدد الخبراء على ضرورة وضع خطة عاجلة لإنقاذ شعاب سطايح تتضمن تحديد حصص يومية لأعداد الزوار، وتنظيم مواعيد الزيارات، وإلزام المشغلين السياحيين بمعايير صارمة لحماية البيئة البحرية.
كما تتطلب الحالة إنشاء مناطق حظر كاملة داخل المحمية تُمنع فيها كافة الأنشطة البشرية للسماح للنظام البيئي بالتعافي، إلى جانب تكثيف برامج المراقبة العلمية لتقييم حالة الشعاب المرجانية والدلافين بشكل دوري.
مسؤولية محلية ودولية
إن إنقاذ شعاب سطايح ليس مسؤولية محلية فحسب، بل يتطلب تعاونًا دوليًا في إطار الاتفاقيات البيئية مثل اتفاقية برشلونة لحماية البحر المتوسط والمناطق الساحلية. فالبحر الأحمر يشكل امتدادًا بيئيًا حيويًا يتطلب جهودًا إقليمية منسقة للحفاظ على موارده.
ويبقى السؤال: هل ستتحرك الجهات المعنية قبل فوات الأوان لإنقاذ “بيت الدلافين” من الانهيار، أم ستضاف شعاب سطايح إلى قائمة المواقع البيئية التي دُمرت باسم التنمية السياحية؟










