«منصة الشائعات تنتصر: 422 ألف إشاعة صحية في عام واحد.. فأين استراتيجية الوزارة؟»
وزير الصحة المصري الدكتور خالد عبد الغفار يركز في تحركاته الأخيرة على تهدئة مخاوف المواطنين من الشائعات حول فيروسات تنفسية جديدة، مع التأكيد على أن الوضع الوبائي في مصر «مطمئن» وأن ما يجري تداوله عن فيروسات مجهولة أو انتشار فيروس ماربورغ داخل البلاد غير صحيح وفق تأكيدات رسمية مكررة.
كما يتحرك الوزير على مسار موازٍ لتعزيز جاهزية المنظومة الصحية، سواء عبر تطوير منظومة ترصد الفيروسات أو الإعداد المبكر لموسم الحج من خلال بعثة طبية رقمية ومنظمة لخدمة عشرات الآلاف من الحجاج المصريين.
خلفية المشهد الصحي وتصاعد الجدل
خلال الأسابيع الأخيرة تصاعد الجدل في الشارع المصري وعلى منصات التواصل الاجتماعي حول ما سمي بـ«فيروس مجهول» وحديث عن «كورونا 25» و«متحورات شديدة الخطورة» ووجود إصابات بفيروس ماربورغ، ما خلق حالة خوف وارتباك بين المواطنين.
وزارة الصحة رصدت، بحسب تصريحات رسمية، مئات الآلاف من «الإشارات الصحية» والشائعات المتعلقة بانتشار فيروسات وأمراض معدية خلال عام 2025 فقط، في مؤشر على فجوة ثقة واضحة بين الجمهور والمؤسسات الصحية الرسمية.
في هذا المناخ المشحون وجد وزير الصحة نفسه في مواجهة مباشرة مع موجة تضليل رقمي، فاختار أن يخوض المعركة من بوابة المؤتمرات الصحفية والبيانات المكثفة، مقدماً خطاباً يقوم على النفي والتصحيح وطلب الاعتماد على المصادر الرسمية بدلاً من السوشيال ميديا.
غير أن هذا الأسلوب يفتح الباب لأسئلة معارضة حول ما إذا كانت الوزارة تعالج جذور القلق الشعبي أم تكتفي بملاحقة أعراضه الكلامية والإعلامية.
رسائل الوزير: «لا فيروسات جديدة» و«موقف مطمئن»في أكثر من ظهور متتالٍ
شدد الدكتور خالد عبد الغفار على أنه لا توجد أي فيروسات جديدة أو «غير معروفة» تنتشر في مصر، نافياً وجود حالات لفيروس ماربورغ داخل البلاد، ومؤكداً أن الوزارة تعلن بياناتها أمام منظمة الصحة العالمية.
كما أوضح أن أنماط الفيروسات المتداولة حالياً هي أنماط موسمية معروفة، وليست هناك زيادة في شدة المتحورات الحالية سواء للإنفلونزا أو لكورونا، وأن المتحور الحالي من كورونا أعراضه خفيفة مقارنة بموجات 2020 و2021.
الوزير أشار كذلك إلى أن نشاط الإنفلونزا الموسمية هذا العام أعلى من العام الماضي، مع سيادة سلالة H1N1، مؤكداً في الوقت نفسه فعالية وأمان لقاح الإنفلونزا الموسمي خاصة للفئات الأكثر عرضة للمضاعفات مثل كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة.
هذه الرسائل المزدوجة بين الاعتراف بزيادة النشاط الفيروسي وبين التأكيد على أن «الوضع تحت السيطرة» تتيح للخطاب المعارض مساحة للتساؤل: هل تكفي تطمينات الوزير لمواجهة الضغط الحقيقي داخل المستشفيات وأقسام الطوارئ؟
الأرقام الرسمية: شائعات أكثر من الإصاباتأبرز ما اعتمد عليه الوزير وفريقه في عرض الموقف الوبائي هو الحديث عن «إشارات صحية» تم رصدها عبر منظومة الترصد، بلغت أكثر من 424 ألف إشارة منذ يناير حتى الآن، منها ما بين 90 و95% اتضح أنها مجرد شائعات أو معلومات غير دقيقة.
وتؤكد الوزارة أن معدلات الإصابة بالفيروسات التنفسية الحالية لا تختلف جوهرياً عن معدلات الأعوام السابقة، وأن الزيادة تظل في إطار موسمي متوقع، دون ارتفاع موازٍ في نسب الدخول للمستشفيات أو الوفيات.
غير أن هذا الخطاب الرقمي يثير أسئلة نقدية حول أولويات الوزارة: فبينما يتم تسليط الضوء بكثافة على أرقام الشائعات، لا تحظى المؤشرات الأخرى المتعلقة بجودة الخدمة داخل المستشفيات العامة، ونقص الكوادر في بعض المحافظات، والضغط على وحدات الرعاية الحرجة بذات القدر من الشفافية في الخطاب الإعلامي الرسمي.
وهنا تظهر زاوية معارضة تتهم الوزارة بأنها تخوض معركة «صورة ذهنية» أكثر من خوضها معركة تطوير حقيقي للبنية الصحية على الأرض.
الحج والمنظومة الرقمية: إنجاز أم انصراف عن الداخل؟بعيداً عن ملف الفيروسات، تحرك وزير الصحة في مسار آخر يتمثل في الاستعداد المبكر لموسم الحج 1447هـ/2026م، حيث أعلن إطلاق «القرعة الإلكترونية» لأول مرة لاختيار أعضاء البعثة الطبية، مع وعود بتدريب مكثف للفريق الطبي وتحليل سنوي للبيانات عبر منظومة ميكنة متطورة لخدمة نحو 87 ألف حاج مصري.
وتتضمن مهام البعثة، وفق ما أعلنته الوزارة، مكافحة العدوى والترصد الوبائي والكشف الطبي وصرف الأدوية ومتابعة الحالات على مدار الساعة بالتنسيق مع السلطات الصحية السعودية.
هذا التحرك يقدمه الخطاب الرسمي كدليل على تحديث أدوات الإدارة الصحية والتحول الرقمي في الخدمات، لكن تياراً معارضاً يمكن أن يقرأه باعتباره تركيزاً على ملفات ذات طابع «رمزي وإعلامي» لجذب الضوء، بينما تظل التحديات اليومية في المستشفيات العامة والريفية أقل حضوراً في أجندة الخطاب العلني للوزارة.
وبين الروايتين تبقى الحقيقة رهن قدرة الوزارة على ترجمة هذا الزخم التنظيمي والرقمي إلى تحسن ملموس يشعر به المواطن في أقسام الاستقبال والعيادات الخارجية والوحدات الصحية في القرى.
جدول مختصر لأبرز محاور الجدل
بهذا المشهد، يتحرك وزير الصحة بين دفاع سياسي وإعلامي عن موقف وزارته في ملف الفيروسات، ومحاولة تقديم صورة لوزارة تواكب التحول الرقمي وتخطط مبكراً لمواسم الضغط الصحي الكبرى مثل الحج، بينما يظل الحكم النهائي رهناً بقدرة المواطن على لمس فارق حقيقي في جودة الخدمات الصحية على الأرض، بعيداً عن المنصات والمؤتمرات.









