تقرير دولي يكشف مقتل أكثر من 1700 مدني في السودان جراء مئات الغارات الجوية التي استهدفت الأسواق والأحياء والمخيمات، وسط إدانات دولية وتحذيرات من تصاعد الانتهاكات الخطيرة ضد السكان
كشفت نتائج تحقيق موسّع أجرته مبادرة “سودان ويتنس” أن سلاح الجو السوداني نفّذ خلال العامين الماضيين سلسلةً من الهجمات العنيفة على أحياء سكنيه ، وأسواق شعبية، ومدارس، ومراكز صحية، ما أدى إلى سقوط أكثر من 1700 مدني وإصابة 1120 آخرين، في واحدة من أكثر حملات القصف دموية منذ اندلاع الحرب في أبريل/نيسان 2023.
التقرير – الذي اعتمد على تحليل 384 غارة جوية باستخدام صور الأقمار الصناعية ومواد مرئية موثقة – يؤكد استخدام قنابل غير موجهة في مناطق مزدحمة، الأمر الذي يثير اتهامات مباشرة للجيش السوداني بارتكاب انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني.
قصف بلا تمييز… منازل وأسواق تتحول إلى ساحات موت
التوثيق أظهر أن 135 غارة استهدفت أحياء سكنية، بينما ضربت 35 غارة أسواقاً مزدحمة في ساعات الذروة. كما تعرضت مرافق صحية ومخيمات للنازحين ومدارس لـ 19 هجوماً على الأقل، في وقت تواجه فيه البلاد أسوأ أزمة إنسانية في تاريخها الحديث.
إحدى أكثر الوقائع صدمة كانت سقوط قنبلة غير موجهة من طراز SH-250 على مخيم زمزم للنازحين في شمال دارفور، وهو موقع لم يكن يخضع لسيطرة قوات الدعم السريع، ما أثار تساؤلات خطيرة حول دوافع الضربة.
وفي حادثة أخرى، أسفر قصف سوق حمرة الشيخ في شمال كردفان عن مقتل 30 مدنياً وإصابة 100 آخرين، بينما دمّر قصف سوق الكومة في دارفور العام الماضي ما لا يقل عن 65 شخصاً، وفقاً لصور الأقمار الصناعية والتحقيقات الميدانية.


مسؤولية مشتركة… وحرب تستهدف المدنيين
ورغم أن الإدانة الدولية لطرفي الصراع مستمرة، يؤكد الباحثون أن نمط الهجمات الجوية يشير إلى “استهداف ممنهج للمناطق المدنية”.
وتقول “سودان ويتنس” إن التحقق من كل غارة يتطلب أدلة بصرية واضحة، وهو معيار صعب في ظل ضعف الاتصالات، ما يعني أن الأرقام الحقيقية قد تكون أعلى بكثير.
في المقابل، تتهم منظمات حقوقية قوات الدعم السريع بتنفيذ هجمات بطائرات مسيّرة استهدفت مدارس ومراكز إيواء في جنوب كردفان، كان آخرها الهجوم على بلدة كالوغي الذي أسفر عن مقتل 114 شخصاً، بينهم 63 طفلاً.
غارات لا تُحقق مكاسب عسكرية
يرى محللون أن الحرب الجوية تحولت إلى “دورة انتقامية” تستهدف مناطق يعتقد كل طرف أنها تدعم خصمه، دون نتائج عسكرية حقيقية.
وقال جاستن لينش من “كونفليكت إنسايتس”:
“ما يجري ليس حرباً بين جيشين… بل حرب تُشنّ ضد المدنيين أنفسهم”.
نداءات للمحاسبة
وزارة الخارجية البريطانية وصفت الأدلة بأنها “مروّعة وغير مقبولة”، ودعت إلى محاسبة المسؤولين عن الهجمات التي تطال المدنيين في الأسواق والمنازل والبنية التحتية الطبية.
وفي ظل استمرار القصف وتحول الطائرات المسيرة إلى سلاح جديد بيد الطرفين، يبدو أن المدنيين هم من يدفعون الثمن الأكبر لحرب لا يبدو أنها تقترب من نهايتها.











