أبطال أوروبا بلا رحمة: باريس يستخدم مونديال الأندية لمحاكمة أتلتيكو على هدف الدقيقة 93
باريس سان جيرمان وجّه صفعة قاسية لأتلتيكو مدريد بفوز كاسح برباعية نظيفة في افتتاح مشوارهما بكأس العالم للأندية 2025 على ملعب روز بول في كاليفورنيا، ليؤكد أنه لم يكتفِ باعتلاء عرش دوري أبطال أوروبا بل جاء إلى المونديال العالمي في وضعية البطل الذي لا يرحم.
الفوز لم يكن مجرد ثلاث نقاط في المجموعة الثانية، بل ردّ اعتباري مباشر على السقوط السابق أمام أتلتيكو في دوري الأبطال، ورسالة واضحة بأن باريس الجديد لا يعرف عقدة المدارس الدفاعية الإسبانية التي طالما أربكته قارياً.
خلفية ما قبل المباراة
اللقاء حمل شحنة ثأرية واضحة لباريس سان جيرمان؛ فقبل أشهر فقط خطف أتلتيكو مدريد فوزًا قاتلًا في دوري أبطال أوروبا على ملعب حديقة الأمراء بهدف في الدقيقة 93، رغم تفوق الفريق الباريسي في الاستحواذ والفرص، ما ترك جرحًا معنويًا داخل غرفة ملابس البطل الفرنسي.
ذلك السقوط أمام منظومة دييغو سيميوني الصلبة أعاد للأذهان تساؤلات قديمة حول قدرة باريس، المدجج بالنجوم والاستثمارات الضخمة، على فك شيفرة الفرق المنظمة دفاعيًا في المواعيد الكبرى.
لكن المشهد تغيّر بالكامل مع تتويج باريس سان جيرمان بلقب دوري أبطال أوروبا لأول مرة في تاريخه، بفوز كاسح على إنتر ميلان بخمسة أهداف دون رد في نهائي أليانز أرينا، ليدخل مونديال الأندية وهو في قمة نشوته الفنية والذهنية تحت قيادة لويس إنريكي.
هذا اللقب الأوروبي التاريخي منح الفريق دفعة هائلة، وحوّل مشاركته في كأس العالم للأندية من مجرد حضور شرفي إلى مهمة إثبات هيمنة عالمية وترسيخ صورة البطل المتكامل.
تفاصيل رباعية باريس القاسية
المباراة أمام أتلتيكو مدريد في الجولة الأولى من المجموعة الثانية شهدت بداية متوازنة نسبيًا، قبل أن ينجح فابيان رويز في كسر تماسك كتيبة سيميوني بهدف أول بقدمه في الدقيقة 19 لباريس سان جيرمان، واضعًا مدافعي الفريق الإسباني تحت ضغط مبكر غير معتاد عليهم في مثل هذه المناسبات.
ومع اقتراب نهاية الشوط الأول، ضاعف فيتينيا التقدم بهدف ثانٍ في الوقت بدل الضائع، ليغيّر تمامًا شكل النقاش بين الشوطين ويجعل أتلتيكو مطالبًا بالمغامرة الهجومية في الشوط الثاني على عكس طبيعته المحافظة.
سيناريو المباراة ازداد تعقيدًا على أتلتيكو في اللحظات الأخيرة من اللقاء، بعدما تلقى المدافع كليمان لونجليه بطاقة صفراء ثانية أدت إلى طرده، ليجد الفريق نفسه منقوصًا أمام بطل أوروبا الذي يجيد استغلال المساحات المنفتحة.
استثمر باريس التفوق العددي والمعنوي، فسجل سيني مايولو الهدف الثالث في الدقيقة 87، قبل أن يختتم الكوري الجنوبي كانغ إن لي المهرجان بهدف رابع من ركلة جزاء في الدقيقة السابعة من الوقت بدل الضائع، ليُكتب انتصار برباعية نظيفة في سجلات البطولة.
أبعاد فنية: سقوط مشروع سيميوني أمام نسخة إنريكي
من الناحية التكتيكية، ظهر الفارق واضحًا بين مشروعين مختلفين؛ أتلتيكو بسيميوني الذي ما زال يعتمد على صلابة الكتلة المنخفضة والرهان على التحولات والكرات الثابتة، في مقابل باريس لويس إنريكي الذي فرض أسلوبه القائم على الاستحواذ العالي والضغط المستمر واستغلال عرض الملعب بأقصى شكل ممكن.
دفاع أتلتيكو، الذي طالما صمد أمام أشرس خطوط الهجوم الأوروبية، بدا عاجزًا عن التعامل مع تنوع حلول باريس بين التسديد من العمق، والاختراق من الأطراف، والتمريرات القطرية خلف الخط الخلفي.
اللافت أن رباعية مونديال الأندية جاءت امتدادًا لمنحنى تصاعدي لباريس بدأ في نهاية الموسم الأوروبي، إذ أثبت الفريق أنه لم يعد يعتمد على نجم واحد أو ثنائي هجومي، بل على منظومة كاملة قادرة على التسجيل من الوسط والأطراف وبمشاركة أسماء شابة مثل مايولو وكانغ إن لي.
في المقابل، كشف اللقاء عن هشاشة غير معتادة في أتلتيكو عند الاضطرار إلى التقدم والبحث عن العودة، حيث فقد الفريق توازنه وخرج من قالب الانضباط الذي ميّزه في السنوات الأخيرة.
أبعاد نفسية وجدول المجموعة
رباعية باريس أمام أتلتيكو في افتتاح المجموعة الثانية وضعت بطل أوروبا في صدارة مريحة بثلاث نقاط وبفارق أهداف كبير، في مجموعة تضم أيضًا بوتافوغو البرازيلي وسياتل ساوندرز الأمريكي، ما يمنحه أفضلية واضحة في سباق التأهل للدور التالي من كأس العالم للأندية.
الانتصار العريض في أول اختبار عالمي بعد تتويجه بدوري الأبطال يعزز صورة الفريق كمرشح أول للقب، ويضيف طبقة جديدة من الثقة لجيل إنريكي الذي يعيش أفضل لحظاته.
أما أتلتيكو مدريد، فالهزيمة الثقيلة لم تكن مجرد خسارة افتتاحية، بل ضربة معنوية قد تصعّب مهمته في المجموعة، خاصة أن فارق الأهداف قد يلعب دورًا حاسمًا في حسم هوية المتأهلين عن هذه المجموعة المتوازنة.
الفريق الإسباني يجد نفسه مضطرًا للعودة سريعًا ذهنيًا وتكتيكيًا، مع مراجعة جذرية لخياراته الهجومية والدفاعية، إذا أراد تجنب خروج مبكر يتحول إلى مادة نقدية عن “نهاية حقبة سيميوني” في أعلى مستوى من المنافسة العالمية.
بهذه الرباعية، كتب باريس سان جيرمان فصلًا جديدًا في صراعه مع المدارس الدفاعية العريقة، ليحوّل أتلتيكو من عقدة تكتيكية أزعجته في دوري الأبطال إلى ضحية مثالية في أولى خطواته نحو قمة كأس العالم للأندية، في مشهد يلخص انتقال النادي الباريسي من مرحلة “الحلم الأوروبي” إلى واقع “الهيمنة الكاملة”.









