خلاف أميركي – إسرائيلي يتعمّق حول سوريا الجديدة بعد سقوط الأسد، وسط مسار واشنطن للتعاون الأمني مع دمشق وتصاعد التوترات الميدانية مع إسرائيل في جنوب البلاد.
دمشق – 10 ديسمبر 2025
يشهد الملف السوري تحوّلاً جذرياً في السياسة الأميركية بعد سقوط نظام بشار الأسد، حيث باتت واشنطن تدفع نحو توسيع التعاون الأمني مع دمشق بقيادة الرئيس الجديد أحمد الشرع، في محاولة لتأمين الاستقرار ومواجهة التهديدات الأمنية المشتركة.
هذا التوجه الأميركي يتصادم حالياً مع النهج الميداني الإسرائيلي في جنوب سوريا، ما كشف عن خلاف مستمر وآخذ في الاتساع بين الحليفين التقليديين حول مستقبل الدولة السورية.
التحوّل الأميركي في السياسة السورية
أكد قائد القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم)، الأدميرال براد كوبر، خلال مؤتمر تقييم المرحلة الجديدة في سوريا، أن التعاون مع الجيش السوري أصبح ضرورة لمواجهة تهديدات مشتركة، مشيراً إلى أهمية دمج قوات سوريا الديمقراطية (قسد) داخل الجيش السوري لتعزيز الاستقرار الداخلي وضبط الحدود وملاحقة تنظيم «داعش».
وأوضح كوبر أن القوات الأميركية قدمت منذ أكتوبر 2025 «المشورة والمساعدة والتمكين» لأكثر من 20 عملية ضد التنظيم، بالإضافة إلى إحباط شحنات أسلحة متجهة إلى «حزب الله»، مؤكداً أن هذه المكاسب تتحقق فقط عبر تنسيق وثيق مع القوات الحكومية السورية.

الخلاف الإسرائيلي
على النقيض من التوجه الأميركي، سارعت إسرائيل بعد انهيار النظام السابق إلى تثبيت وجودها العسكري في جنوب سوريا، مسيطرة على مساحة تُقدّر بـ250 كيلومتراً مربعاً، وتنفيذ اعتقالات ومصادرة أسلحة، وصولاً إلى استهداف مواقع قيادية في دمشق بذريعة حماية الطائفة الدرزية.
ويشير خبراء إسرائيليون إلى أن الهجمات التي تعرضت لها إسرائيل في أكتوبر 2023 غيّرت عقلية صنع القرار العسكري، حيث أصبح أي تنازل أمني يشكّل خطرًا محتملاً على مصالح الدولة. ويقول يعقوب أميدرور، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، إن اتخاذ القرارات من واشنطن أسهل بكثير من اتخاذها من مرتفعات الجولان، في إشارة إلى رغبة تل أبيب في تأمين مصالحها بشكل أحادي.
محاولات الوساطة والمفاوضات
تسعى الإدارة الأميركية إلى رعاية حوار مباشر بين دمشق وتل أبيب لإنهاء الخلافات، بالتوازي مع محاولات تهدئة التوترات في غزة وأوكرانيا. ودعا الرئيس الأميركي دونالد ترمب إسرائيل إلى «حوار قوي وصادق» مع دمشق، في خطوة تعكس استعداد واشنطن لإعادة رسم التوازنات في الشرق الأوسط.
لكن هذه الجهود اصطدمت برفض الرئيس الشرع إقامة منطقة منزوعة السلاح تمتد من جنوب دمشق حتى الحدود، لما قد تسببه من فراغ أمني كبير، فيما تحذر أصوات إسرائيلية من الإفراط في استخدام القوة خشية تصادم السياسات مع أهداف واشنطن في إعادة تأهيل الدولة السورية الجديدة.

التوترات الميدانية
ترافقت الخلافات السياسية مع توترات ميدانية متزايدة، أبرزها الاشتباكات في بلدة بيت جن بعد دخول قوات إسرائيلية لاعتقال مطلوبين، ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى من الجانبين. كما ازدادت الاحتفالات الشعبية في دمشق بذكرى «سقوط الأسد»، والتي شملت حرق أعلام إسرائيل، ما زاد من حدة الاحتقان.
وتتهم إسرائيل الحكومة السورية بزيادة «النبرة العدائية»، في حين تتهم دمشق تل أبيب بتوسيع منطقتها العازلة و«الهروب من مسؤولياتها» في غزة، ما يفاقم الخلاف ويقود دمشق نحو مزيد من التقارب مع تركيا، الخصم الإقليمي لتل أبيب.
التوقعات المستقبلية
يشير دبلوماسيون وخبراء إلى أن أي اتفاق أمني مرتقب بين دمشق وتل أبيب قد يشبه صيغة 1974 لمنطقة فصل القوات، مع تعديلات تتوافق مع المرحلة الجديدة، مع التركيز على الانتقال من «استعراض القوة العسكرية إلى بناء القوة الدبلوماسية».
وتظل «سوريا الجديدة» ساحة اختبار للصلابة التحالفية بين واشنطن وتل أبيب، وسط سياسة أميركية تحاول الجمع بين مكافحة الإرهاب وإعادة بناء الدولة السورية ورسم صيغة أمنية متوازنة.












