مع اشتداد سخونة المشهد السياسي اليوم، تشهد مصر جولة الإعادة في الانتخابات البرلمانية وسط حالة متباينة من الهدوء الحذر والتشكيك الشعبي في جدوى العملية برمتها.
فبينما تتحدث الهيئة الوطنية للانتخابات عن مشاركة مرتفعة في بعض الدوائر، تشير التقارير الميدانية إلى حضور محدود في معظم اللجان، خصوصاً في المحافظات التي حُسمت نتائجها من الجولة الأولى لمصلحة مرشحين محسوبين على التحالفات الداعمة للسلطة
.ورغم محاولات القنوات الرسمية بث مشاهد لمواطنين يصطفون أمام اللجان، فإن الواقع في الشارع لا يعكس بالضرورة زخماً ديمقراطياً حقيقياً. يقول أحد المراقبين المحليين إن المشاركة الفعلية لا تتجاوز 15 بالمئة في أغلب الدوائر، مع اعتماد مكثف على الحشد الإداري والرمزي عبر الموظفين والمرشحين المدعومين من رجال أعمال.
غياب المنافسة الحقيقية
في جولة الإعادة الحالية، يلاحظ المتابعون ضيق مساحة المنافسة بين المرشحين المستقلين والمعارضين من جهة، ومرشحين مدعومين من أحزاب موالية للدولة من جهة أخرى
. كثير من المقترعين أكدوا أنهم لم يجدوا بدائل سياسية تعبّر عن صوت المعارضة بوضوح، خصوصاً بعد استبعاد عدد من المرشحين بحجج قانونية أو إجرائية أثارت الجدل.يقول أحد المرشحين الخاسرين في الجولة الأولى إن “الانتخابات تحولت إلى سباق شكلي بين أسماء محددة سلفاً”، مضيفاً أن “الإعادة ليست سوى استكمال لمشهد محسوم النتائج قبل أن تبدأ الصناديق في فتح أبوابها”.
مخاوف من ضعف المشاركةفي المقابل، تحاول مصادر رسمية التأكيد على “انضباط سير العملية الانتخابية”، مشيرة إلى تواجد مكثف من القضاة والإشراف الكامل على اللجان. لكن على الأرض، انتشرت مقاطع فيديو وصور يشتبه في أنها توثّق محاولات دعاية غير قانونية قرب اللجان، إضافة إلى ضغوط على بعض الناخبين في المناطق الريفية.العديد من المتابعين يرون أن عزوف الشباب عن المشاركة أصبح سمة أساسية في جميع الانتخابات الأخيرة، معتبرين أن السبب الرئيسي هو فقدان الثقة في إمكانية التغيير عبر صناديق مكتظة بالإجراءات، لكنها تفتقر إلى التنوع السياسي.
دعاية باهتة ووعود متكررة
اللافت أن الحملات الانتخابية لجولة الإعادة لم تحظَ بالزخم المتوقع مقارنة بالجولة الأولى. فخطاب المرشحين يكاد يتشابه، يتمحور حول “الاستقرار” و”دعم الدولة” دون التطرق الجدي لقضايا المعيشة والبطالة وحقوق الإنسان.
المستخدمون عبر مواقع التواصل وجّهوا انتقادات لاذعة للحملات التي تجاهلت هموم المواطن اليومية، مفضلين التركيز على الشعارات الوطنية العامة فقط.دور الإعلام في توجيه المزاج العاممن جهة أخرى، احتلت وسائل الإعلام الرسمية مساحات بث واسعة لدعم صورة “الإقبال الشعبي”، مع استضافة محللين معروفين بولائهم للخط الرسمي للدولة. بالمقابل، تعاني المنصات المستقلة من قيود في تغطية المشهد، حيث أبلغ بعض الصحفيين عن صعوبة الحصول على تصريحات ميدانية أو صور من بعض اللجان
ويرى محللون أن هذا التوجيه الإعلامي يمثل استمراراً لنمط التعامل مع العملية السياسية في السنوات الأخيرة، حيث تغيب التعددية الحقيقية لصالح الواقع المفروض من فوق، ما يؤدي إلى إضعاف ثقة الشارع في مفهوم الانتخابات برمته.الإعادة… بين الشكل والمضمونتؤكد مصادر من المجتمع المدني أن جولة الإعادة الحالية تمثل اختباراً جديداً لقدرة الدولة على استعادة إيمان المواطن بالعملية الديمقراطية، خاصة بعد سنين من “الانتخابات الشكلية” التي لم تفرز تغييراً ملموساً على المستوى التشريعي أو الاقتصادي.
وتشير تقديرات غير رسمية إلى أن نسبة المشاركة قد لا تتجاوز تلك التي شهدتها الجولة الأولى، مما يعزز قناعة جزء كبير من الجمهور بأن النتائج ستأتي مطابقة للتوقّعات.البعض وصف المشهد بأنه “إعادة بلا مضمون”، فحتى مع التنظيم الجيد والإشراف القضائي، يبقى الانطباع العام أن اللعبة السياسية مغلقة على أطراف محددة ولا مجال فيها للتيار المدني أو المستقلين الحقيقيين
.خاتمة
صندوق بلا صوتفي النهاية، يبدو أن انتخابات الإعادة في مصر تسير بوتيرة هادئة أشبه بالعملية الإجرائية أكثر من كونها لحظة ديمقراطية. المواطن المصري بات ينظر إلى الصندوق باعتباره رمزاً لإعادة إنتاج نفس الوجوه تحت عناوين جديدة، فيما تظل أحلام التغيير معلقة بين جدران اللجان المغلقة
.قد يكون اليوم يوماً انتخابياً في الشكل، لكنه بالنسبة لكثيرين يوم آخر في مسلسل سياسي طويل يُعاد إنتاجه كل بضع سنوات بنفس السيناريوهات، فقط بأسماء مختلفة.هل ترغب أن أعيد صياغة التقرير بأسلوب أكثر موضوعية وحياداً يصلح لموقع إخباري عام، أم تريده بأسلوب معارض وتحليلي أعمق يناسب النطق برأي واضح في الأداء السياسي؟









