مصر وإسرائيل تقتربان من إتمام صفقة الغاز التاريخية، وسط توقعات بتعزيز الاستقرار الإقليمي وتأمين احتياجات الطاقة، في خطوة استراتيجية قد تعيد رسم موازين القوى في الشرق الأوسط.
القاهرة – ١٠ ديسمبر ٢٠٢٥
تشير أحدث التقارير الإعلامية الإسرائيلية إلى قرب إتمام صفقة الغاز بين مصر وإسرائيل خلال الأيام المقبلة، بعد سلسلة من التوترات السياسية والأمنية التي شهدتها العلاقة بين البلدين في الأشهر الماضية. وتأتي هذه الخطوة في وقت تسعى فيه القاهرة لتعزيز احتياطاتها من الغاز الطبيعي وتوسيع قدراتها الاقتصادية، بينما تنظر تل أبيب إليها كعامل حيوي لدعم أمنها الطاقوي والسياسي.
وذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت، يوم الثلاثاء الماضى ،أن وزارة الطاقة الإسرائيلية تخطط لبدء جولة جديدة من الاستكشاف في المنطقة الاقتصادية الخالصة لإسرائيل الشهر المقبل، في إطار الاتفاق المرتقب لتصدير الغاز من حقل ليفياثان إلى مصر. وأشارت الصحيفة إلى أن المفاوضات لا تزال جارية حول الكميات النهائية المقرر تصديرها، في وقت يشير فيه المسؤولون الإسرائيليون إلى أهمية الصفقة على المستويين الاقتصادي والأمني.

وتعكس التحركات الأخيرة تحولا في موقف تل أبيب، بعد أن ظهرت إشارات في وقت سابق إلى احتمال إلغاء الصفقة أو تأجيلها، على خلفية الخلافات السياسية وملفات الأمن في غزة وسيناء. ورغم ذلك، يبدو أن الضغوط الأميركية والمصالح الاقتصادية المشتركة لعبت دوراً رئيسياً في إعادة إحياء الاتفاق.
تاريخ الصفقات وتداعياتها
يذكر أن شركة نيو ميد، الشريك الرئيسي في حقل ليفياثان، كانت أعلنت في أغسطس 2025 عن تعديل اتفاقية تصدير الغاز لمصر لتستمر حتى عام 2040 بقيمة تصل إلى 35 مليار دولار. ومع ذلك، شهدت بداية سبتمبر، في خضم التوترات الناتجة عن الحرب على غزة، بوادر رفض إسرائيلي للالتزام النهائي بالصفقة، مشيراً إلى ضرورة التحقق من التزام مصر بكافة بنود اتفاقية السلام لعام 1979، خاصة فيما يتعلق بالملحق الأمني للمعاهدة.
وأوضح خبراء أن القاهرة تعاملت بهدوء مع هذه الضغوط، واعتمدت على بدائل متعددة لضمان تلبية احتياجاتها من الطاقة، فيما أدركت إسرائيل صعوبة تحويل الصفقة إلى أداة ضغط على مصر، لا سيما في ظل مصالح الشركات الأميركية الكبرى المرتبطة بالغاز.

المصالح الإستراتيجية والحاجة إلى الغاز
وأشار المفكر السياسي المصري عبد المنعم سعيد إلى أن العلاقة بين مصر وإسرائيل معقدة، وتستند إلى مزيج من مصالح اقتصادية وأمنية، بالإضافة إلى تأثيرات القضية الفلسطينية. وقال: «صفقة الغاز تحمل أهمية استراتيجية للطرفين، سواء من حيث تأمين الطاقة أو تعزيز التوازن الإقليمي، بعيداً عن التوترات السياسية المؤقتة».
من جهته، أكد المسؤولون المصريون أن القاهرة قامت مؤخراً بعقد صفقات إضافية لاستيراد نحو 80 شحنة غاز مسال من شركة هارتري بارتنرز الأميركية بقيمة 4 مليارات دولار، إضافة إلى اتفاقيات مع شركات أخرى مثل أرامكو السعودية وترافيجورا وفيتول، لضمان تنويع مصادر الطاقة والتخفيف من أي تأثير محتمل لتأخر إتمام الصفقة الإسرائيلية.
ردود فعل إقليمية ودولية
تأتي هذه التطورات في وقت يراقب فيه محللون إقليميون ودوليون عن كثب انعكاسات الصفقة على التوترات في المنطقة، خصوصاً فيما يتعلق بالملفات الفلسطينية والتحركات الإسرائيلية في سيناء، إلى جانب استقرار الإمدادات الاقتصادية للطاقة. وتشير التقديرات إلى أن نجاح الصفقة قد يسهم في تهدئة بعض التوترات، لكنه لن يلغي التحديات السياسية العميقة بين البلدين، التي تتطلب استمرار الحوار والتنسيق الدبلوماسي.
في النهاية، تبدو مصر وإسرائيل على أعتاب خطوة استراتيجية مهمة، تعكس توازن المصالح بين الدولتين، وتعيد رسم مشهد الطاقة في الشرق الأوسط، مع ما يحمله ذلك من تداعيات اقتصادية وأمنية وسياسية، سواء على المستوى الثنائي أو الإقليمي.










