سيول على الورق وحصادها فى الشارع: أين ذهبت مليارات مشاريع تصريف المياه فى السعودية ؟
منخفض جوى عميق يضرب عدداً من مناطق السعودية هذه الأيام، جالباً معه أمطاراً غزيرة وصلت فى بعض المواقع إلى حد السيول، ما دفع السلطات إلى تعليق الدراسة الحضورية فى مدن مثل جدة والقصيم وتحويلها للتعليم عن بُعد، وسط تحذيرات متواصلة من المركز الوطنى للأرصاد بضرورة الحذر من العواصف الرعدية وجريان السيول وتدنّى الرؤية الأفقية.
تفاصيل الحالة الجوية
التقارير الجوية تشير إلى أن المملكة تقع حالياً تحت تأثير منخفض جوى مرتبط بالبحر الأحمر، ترافقه حالة عدم استقرار واسعة تمتد لعدة أيام، مع أمطار رعدية متفاوتة الشدة ورياح نشطة على مناطق واسعة من القطاع الغربى والوسطى وأجزاء من الشمال والشرق.
هذه الحالة المطرية توصف بأنها من الأقوى هذا الموسم، حيث حذّر خبراء المناخ من استمرار الفعاليات الجوية لقرابة ستة أيام متتالية، مع احتمالات عالية لتشكل السيول فى الأودية والمناطق المنخفضة، وارتفاع الأمواج على سواحل البحر الأحمر.
أمطار غزيرة وسيول محلية
مقاطع الفيديو المتداولة من مناطق مثل أملج وضباء وتبوك وجدة أظهرت هطول أمطار غزيرة وتحول عدد من الشوارع إلى مجارى لمياه السيول، ما تسبب فى تعطل الحركة المرورية واحتجاز بعض المركبات فى تجمعات مائية عميقة
المركز الوطنى للأرصاد شدّد فى نشراته على أن الأمطار قد تكون مصحوبة بعواصف رعدية وتساقط حبات البَرَد فى بعض الفترات، مع نشاط رياح هابطة مثيرة للأتربة والغبار، ما يؤدى إلى تدنٍ واضح فى مدى الرؤية الأفقية خاصة على الطرق السريعة والمناطق المفتوحة.
تعليق الدراسة وتحويلها للتعليم عن بُعد
فى مواجهة تفاقم الحالة الجوية، أعلنت إدارات التعليم فى جدة ورابغ وخليص، وفى وقت لاحق فى منطقة القصيم، تعليق الدراسة الحضورية لعدة أيام متتالية، والاكتفاء بالتعليم عن بُعد عبر منصة “مدرستى”، استناداً إلى تقارير الأرصاد وحرصاً على سلامة الطلاب
هذه القرارات جاءت بعد تجارب سابقة شهدت فيها بعض المدن أضراراً كبيرة بفعل السيول، ما جعل السلطات تميل إلى التحوط المبكر، وإن كان جزء من الرأى العام يرى أن تعليق الدراسة بات الخيار الأسرع دائماً فى كل موجة مطر قوية بدلاً من معالجة جذور المشكلة على الأرض.
تساؤلات حول جاهزية البنية التحتية
رغم الاستثمارات الضخمة فى مشاريع الطرق وتصريف المياه خلال السنوات الماضية، تعيد كل موجة منخفض جوى فتح ملف جاهزية البنية التحتية فى المدن السعودية الكبرى، خاصة جدة التى تحمل ذاكرة موجعة مع السيول فى أعوام سابقة.
انتقادات على منصات التواصل ركّزت على مشاهد ارتفاع منسوب المياه فى بعض الشوارع خلال ساعات قليلة من بدء هطول الأمطار، معتبرين أن استمرار غرق نقاط بعينها يعنى أن الحلول الإنشائية لم تكن جذرية، وأن التخطيط الحضرى لا يزال عاجزاً عن استيعاب سيناريوهات الطقس المتطرف التى تتكرر كل شتاء.
تحذيرات رسمية للمواطنين
فى المقابل، تكثف الجهات الرسمية رسائلها التحذيرية للمواطنين والمقيمين، داعية إلى تجنب مجارى الأودية ومناطق تجمع المياه، وعدم المجازفة بعبور الطرق التى تشهد سيولاً أو أمطاراً غزيرة، مع متابعة التحديثات المستمرة الصادرة عن المركز الوطنى للأرصاد والدفاع المدنى.
فرق الطوارئ فى عدد من المدن، وعلى رأسها جدة، باشرت أعمال سحب المياه من النقاط الحرجة وإعادة فتح الطرق المتضررة، إلى جانب توجيه حركة المرور إلى مسارات بديلة، فى محاولة لتقليل آثار المنخفض على الحياة اليومية قدر الإمكان.
زاوية معارضة: المناخ يتغير.. فهل تتغير السياسات؟
من زاوية نقدية، يرى مختصون فى المناخ والتخطيط الحضرى أن توالى المنخفضات الجوية القوية على المنطقة لم يعد حدثاً استثنائياً، بل أصبح نمطاً متكرراً يرتبط بتغيرات مناخية أوسع، ما يفرض إعادة النظر فى معايير التخطيط للمدن وشبكات تصريف السيول بدلاً من الاكتفاء بالحلول الإسعافية.
الاعتماد على التحذير وتعليق الدراسة وإغلاق الفعاليات الخارجية قد يقلل الخسائر البشرية فى كل موجة، لكنه لا يجيب عن سؤال جوهرى: إلى متى تظل المدن الخليجية عموماً، والسعودية خصوصاً، تتعامل مع المطر كاستثناء صادم لا كواقع مناخى متكرر يحتاج إلى بنية تحتية أكثر صلابة ورقابة أشد على تنفيذ المشاريع؟










