مباراة السعودية وفلسطين في ربع نهائي كأس العرب 2025 بقطر تتحول إلى قمة عربية مشتعلة قبل انطلاق صافرة الحكم في استاد لوسيل، مع كثير من الرمزية الرياضية والسياسية، وحالة ترقّب لواحدة من أكثر المواجهات حساسية في مسار البطولة.
خلفية المباراة وأهميتها
تأتي المواجهة على استاد لوسيل ضمن دور ربع النهائي لكأس العرب 2025، بعد تصدر فلسطين للمجموعة الأولى برصيد 5 نقاط وتأهل السعودية كوصيف للمجموعة الثانية برصيد 6 نقاط خلف المغرب.
اختيار لوسيل، أحد أشهر ملاعب المونديال السابق، يمنح المباراة بعدًا رمزيًا إضافيًا، حيث يلتقي منتخبان عربيان في ملعب شهد لحظات كروية عالمية كبرى
فلسطين وصلت إلى هذا الدور بعد أداء لافت شمل انتصارًا تاريخيًا على قطر المضيفة وتعادلات صعبة أمام تونس وسوريا، لتتصدّر مجموعة حديدية وتفرض نفسها كقوة حقيقية لا مجرد ضيف شرف.
في المقابل، حسمت السعودية بطاقة العبور مبكرًا من خلال فوزين في المرحلة الأولى ثم خسارة محسوبة أمام المغرب بعد تدوير التشكيلة، ما أبقاها ضمن صورة المرشح التقليدي مع بعض علامات الاستفهام الدفاعية.
وضعية المنتخبين قبل الصافرةمنتخب فلسطين يدخل اللقاء بأفضل حالة معنوية في تاريخه الحديث؛ فالفريق لم يخسر في دور المجموعات، ونجح في المزج بين الصلابة الدفاعية والقدرة على ضرب الخصم في اللحظات الحرجة.
رأس مال فلسطين الأساسي هو التنظيم التكتيكي العالي، الروح الجماعية، والاستفادة من كل كرة ثابتة أو خطأ بسيط في مناطق الخصم، وهي وصفة سبق أن أسقطت قطر وأربكت تونس.
على الجانب الآخر، يعوّل المنتخب السعودي على خبرة مشاركاته القارية والعالمية، إلى جانب جيل يضم أسماء اعتادت اللعب تحت ضغط المباريات الكبرى مع أنديتها ومنتخبها.
ورغم الشكوك التي أظهرتها الهزيمة أمام المغرب بشأن التغطية الدفاعية والقدرة على التعامل مع التحولات السريعة، ما زال الأخضر يمتلك قوة هجومية قادرة على حسم أي مباراة بلقطة فردية.
التشكيلات المتوقعة وأوراق القوة
التسريبات الأولية تشير إلى اعتماد فلسطين على حارس يتمتع برد فعل سريع وخط خلفي مدمج بين القوة البدنية والقدرة على إغلاق العمق، مع وسط مزدحم يهدف لخنق مفاتيح لعب السعودية وتقليل المساحات أمام صانع الألعاب الأبرز في الأخضر.
في الأمام، يرجح الدفع بمهاجم متحرك قادر على استغلال الكرات المرتدة خلف دفاع السعودية، مستفيدًا من أي تقدم للظهيرين السعوديين.
أما السعودية، فيتوقع أن تبدأ بنواف العقيدي في حراسة المرمى، وخط دفاع يتقدمه حسن تمبكتي، مع وجود ناصر الدوسري وعبدالله الخيبري ومحمد كنو في وسط الملعب لضبط الإيقاع ومنح الحرية لسالم الدوسري وأيمن يحيى لصناعة الفارق هجوميًا، مع فيراس البريكان كرأس حربة أساسي.
رهان المدرب السعودي سيكون على سرعة التمرير بين الخطوط، والضغط العالي في الدقائق الأولى لإجبار المنتخب الفلسطيني على ارتكاب أخطاء مبكرة قرب منطقته.
سيناريوهات تكتيكية محتملة
من المتوقع أن يبدأ فلسطين اللقاء بتحفظ نسبي، مع تكتل دفاعي متوسط وحرص على إغلاق العمق أمام اختراقات سالم الدوسري، الذي يمثل أخطر أسلحة الأخضر في المساحات النصفية.
الخطة الفلسطينية الأقرب هي امتصاص الضغط السعودي ثم محاولة ضربه بمرتدات سريعة أو كرات طولية موجهة نحو الأطراف، مستفيدًا من أي اندفاع مبالغ فيه للأظهرة.
في المقابل، يدرك الجهاز الفني السعودي أن استمرار التعادل السلبي يمنح أفضلية معنوية لفلسطين، خاصة إذا اقتربت المباراة من لحظات الحسم أو ركلات الترجيح التي أثبت فيها المنتخب الفلسطيني صلابة نفسية في مواجهات سابقة.
لذلك قد يلجأ الأخضر إلى رفع الإيقاع مبكرًا بحثًا عن هدف يربك حسابات المنافس ويمنع تحوّل اللقاء إلى صراع أعصاب تفضّل فيه الكفة عادة المنتخب الأقل ضغطًا تاريخيًا وجماهيريًا.
البعد النفسي والسياسي للمواجهة
لا تنفصل مباراة السعودية وفلسطين عن سياق أوسع يتجاوز كرة القدم؛ فمنتخب فلسطين يحمل في كل بطولة عبء تمثيل قضية شعب يعيش تحت الاحتلال، ما يجعل كل تدخل وكل هدف بمثابة رسالة رمزية يتفاعل معها الشارع العربي قبل أنصاف الملاعب.
نجاح «الفدائي» في تصدر مجموعته على حساب قطر وتونس وسوريا جعل من هذا المنتخب عنوانًا متكررًا في التغطيات العالمية لكأس العرب باعتباره قصة «صمود كروي» موازية للصمود على الأرض.
على الجانب الآخر، ينظر إلى المنتخب السعودي باعتباره جزءًا من مشروع كروي أوسع تقوده المملكة لتعزيز صورتها الرياضية على المستوى العالمي عبر الاستثمارات في الأندية والبطولات الكبرى، ما يضاعف من حساسية أي خروج مبكر من البطولة.
لذلك تبدو المواجهة بين مشروعين مختلفين: منتخب يقاتل من أجل الاعتراف والتمثيل، وآخر يسعى لتأكيد التفوق وترسيخ زعامة إقليمية في زمن التحولات الرياضية والسياسية معًا.
ما بعد المباراة واحتمالات التأهل
الفائز من مواجهة السعودية وفلسطين يقترب خطوة كبيرة من ملامسة منصة التتويج في النسخة الحالية، نظرًا لطبيعة شجرة الأدوار الإقصائية التي قد تضعه في طريق منتخبات عربية ثقيلة لكنها تعاني من ضغط التوقعات وجماهيرها.
تأهل فلسطين إلى نصف النهائي سيكون حدثًا تاريخيًا يعيد تشكيل خريطة القوى في الكرة العربية، ويمنح الجيل الحالي شرعية رياضية تعادل ما يحمله من رمزية سياسية وشعبية.
أما إذا حسمت السعودية بطاقة العبور، فسيُقرأ ذلك كاستعادة منطق «الكبير» القادر على احتواء مفاجآت البطولة وتأكيد أن خبرة المشاركات العالمية ما زالت قادرة على كسر اندفاع المنتخبات الطامحة.
في كل الأحوال، يضمن هذا اللقاء إضافة فصل جديد إلى قصة كأس العرب 2025، بطولة المفاجآت والصراعات الرمزية، حيث لا يكفي التاريخ وحده ولا تكفي العاطفة وحدها لحسم تسعين دقيقة من كرة القدم.










