ترامب يهدد وزيت الطعام في مرمى النار: الصين ترد على الرسوم بقطع شريان المزارع الأمريكي
أزمة فول الصويا بين الصين وأمريكا تحولت في 2025 من مجرّد بند في حرب الرسوم إلى مواجهة استراتيجية تمس الأمن الغذائي الصيني ومستقبل المزارع الأمريكي في «حزام الصدأ» الزراعي، بعد أن قلّصت بكين مشترياتها من المحصول الأمريكي لصالح البرازيل والأرجنتين، وردّت واشنطن بسلسلة تهديدات ورسوم عكسية وخطط دعم طارئة للمزارعين.
ما يجري اليوم يعيد إحياء سيناريو حرب ترامب التجارية الأولى، لكنه في ظروف أشد احتقانًا مع رسوم متبادلة وصلت على فول الصويا الأمريكي إلى مستويات تقارب 40–45%، وتراجع شبه حاد في الشحنات المتجهة من الموانئ الأمريكية إلى الموانئ الصينية.
خلفية الأزمة: من شريان تجارة إلى ساحة معركة
طوال عقدين كانت الصين أكبر زبون لفول الصويا الأمريكي، حيث استوعبت وحدها ما يصل إلى نصف صادرات الولايات المتحدة من هذا المحصول الذي يمثل عصب غذاء الثروة الحيوانية وصناعة الزيوت.
هذا الاعتماد المتبادل جعل فول الصويا رمزًا لـ«ترابط العولمة» بين القوتين، قبل أن يتحول إلى هدف رئيسي في الردود الانتقامية الصينية على الرسوم الجمركية الأمريكية.
مع جولة الرسوم الجديدة في 2025 رفعت بكين التعرفة الإجمالية على واردات فول الصويا الأمريكي إلى نحو 44% بعد طبقات متراكمة من الرسوم، ما جعل المحصول الأمريكي غير تنافسي أمام نظيره القادم من أمريكا الجنوبية.
هذا القرار دفع شركات الاستيراد الصينية إلى خفض مشترياتها بشكل حاد، لتتجه بكثافة إلى البرازيل والأرجنتين التي استفادت من الفجوة عبر زيادة الإنتاج وتقديم أسعار أقل.
كيف أثّرت الأزمة على المزارع الأمريكي؟
تقارير ميدانية أمريكية ترصد أن صادرات فول الصويا إلى الصين تهاوت خلال 2025؛ بعض الأشهر شهدت شبه توقف للشحنات، فيما تراجعت الكميات المصدّرة من مئات الملايين إلى عشرات الملايين من البوشل فقط.
هذا الانكماش المفاجئ خلق تخمة في المعروض داخل السوق الأمريكية، ما ضغط على الأسعار في البورصات إلى مستويات أقل من تكاليف الإنتاج المتوقعة.
إدارة الرئيس دونالد ترامب حاولت امتصاص الغضب عبر حزم دعم وتعويضات للمزارعين المتضررين، في تكرار لبرامج المساندة التي أطلقت خلال الحرب التجارية الأولى، لكن اتحادات المزارعين تحذر من أن الدعم المؤقت لا يعوّض فقدان سوق بحجم الصين ولا يضمن استدامة سلاسل التوريد.
كثير من المزارعين في ولايات الوسط والغرب الأوسط يواجهون الآن مزيجًا من تراجع الدخل، ارتفاع تكاليف التمويل، وانعدام وضوح المستقبل التسويقي لمحصولهم.
حسابات بكين: تنويع الموردين وبناء نفوذ سعري
من جانبها استغلت الصين اللحظة لتسريع استراتيجية قديمة تقوم على تنويع مصادر فول الصويا وتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة، حيث وسعت عقود الاستيراد من البرازيل والأرجنتين وقعّدت تعاونًا جديدًا مع دول نامية عدة.
تقارير متخصصة تشير إلى أن بكين راكمت كذلك مخزونًا استراتيجيًا بنحو عشرات الملايين من الأطنان يمنحها قدرة أكبر على التأثير في الأسعار العالمية وتوقيت الشراء من أي مورد.
هذه الخطوات لا تقتصر على الاقتصاد؛ فهي رسالة سياسية لواشنطن بأن الصين تملك بدائل تجارية، وأن قدرتها على إيذاء قاعدة ترامب الريفية – التي تضم كثيرًا من مزارعي فول الصويا – يمكن أن تتحول إلى أداة ضغط في أي مفاوضات أوسع حول الرسوم والتكنولوجيا والعملات.
لكنها في الوقت نفسه تضع بكين أمام تحدي ضمان إمدادات مستقرة في ظل مخاطر مناخية وجيوسياسية في أمريكا الجنوبية.
تصعيد سياسي… وزيت الطعام يدخل المعركة
التوتر لم يتوقف عند الرسوم؛ الرئيس ترامب لوّح في تصريحات حديثة بقطع بعض أشكال التجارة مع الصين في مجال زيوت الطعام، كإجراء عقابي مقابل وقف بكين لشراء فول الصويا الأمريكي، ما فتح جبهة جديدة قد تؤثر في سلاسل توريد الغذاء والدهون النباتية عالميًا.
هذا الخطاب التصعيدي أثار قلق الأسواق ودفع عقود فول الصويا الآجلة لمزيد من التذبذب، وسط مخاوف من أن تتوسع الحرب التجارية إلى «حرب غذاء» شاملة.
في المقابل، تواصل الصين رسائلها بأنها لا تسعى إلى قطيعة كاملة، لكنها لن تعود إلى مستويات الاستيراد السابقة ما لم تتراجع واشنطن عن جزء مهم من الرسوم
وتخفف القيود التقنية والمالية على شركاتها.
ومع غياب اتفاق شامل حتى الآن، تبقى خطوات الجانبين أقرب إلى «حرب استنزاف» يحاول فيها كل طرف إظهار أنه أقل تأثرًا من الآخر.
تداعيات عالمية واحتمالات المستقبل
على المستوى العالمي، يسهم الصراع في إعادة رسم خريطة تجارة فول الصويا، مع صعود البرازيل كمورد أول للصين وتنامي دور دول أخرى في آسيا وأمريكا اللاتينية كمستورِدين جدد للمحصول الأمريكي.
هذا التحول يعيد توزيع النفوذ الزراعي عالميًا ويزيد حساسية الأسعار تجاه أي اضطرابات مناخية أو سياسية في هذه المناطق الجديدة.
مستقبلاً، يبدو أن تسوية أزمة فول الصويا مرهونة بمسار أوسع للعلاقات التجارية بين القوتين، وليس فقط برقم التعرفة على محصول واحد؛ فواشنطن تنظر إلى الملف كجزء من معركة على قواعد التجارة والتكنولوجيا، بينما ترى بكين أن ما يحدث اختبار لمدى قدرتها على فك الارتباط عن مورد حيوي دون دفع ثمن غذائي باهظ.
وبين ضغوط المزارعين الأمريكيين، وحسابات الأمن الغذائي الصيني، تبقى حبوب فول الصويا نموذجًا صارخًا لكيف يمكن لسلعة زراعية أن تتحول إلى رصاصة في حرب النفوذ بين أكبر اقتصادين في العالم.










