لا يقتصر المشهد الحالي على إعادة تموضع محلي داخل محافظة شاسعة وغنية بالموارد، بل يطرح أسئلة وجودية حول مستقبل وحدة اليمن وحدود الدولة الجنوبية المحتملة، دافعًا بخريطة القوة الإقليمية نحو إعادة تشكل قد تمتد ظلالها إلى البحر الأحمر والقرن الأفريقي.
اشتعال صراع النفوذ في اليمن.. السعودية تنسحب من باب المندب وعدن
تحولت محافظة حضرموت، شرق اليمن، في ديسمبر 2025، إلى مركز سباق نفوذ إقليمي مكشوف بين المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، مع تصعيد عسكري حاد بين قوات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيًا وحلف قبائل حضرموت المدعوم سعوديًا.
اليمن: مشاورات سعودية بعد تصاعد التوترات في حضرموت وتهديد الإنتاج النفطي
فبينما يحشد المجلس الانتقالي الجنوبي الدعوم الإماراتية لتنظيم تظاهرات تطالب بفك الارتباط مع اليمن وعودة دولة الجنوب، تمارس السعودية دورًا كبيراً للحفاظ على نفوذها داخل اليمن ومنع أي تحركات تهدد الوضع الحالي.
تطورات ميدانية سريعة وحاسمة
بدأ التصعيد أواخر نوفمبر 2025، بانتشار موسع لقوات المجلس الانتقالي الجنوبي قُدر بـ 10 آلاف مقاتل في وادي وهضبة حضرموت.
ومع مطلع ديسمبر، أحكمت قوات النخبة الحضرمية التابعة للانتقالي سيطرتها على مدن رئيسية مثل سيئون وتريم، إلى جانب منشآت استراتيجية وحقول نفطية مهمة كـ بترومسيلة، في عملية عسكرية شهدت اشتباكات محدودة.
هذا التقدم تسارع بعد انسحاب واسع لقوات حلف قبائل حضرموت بقيادة عمرو بن حبريش من معظم المواقع، مما سهّل سيطرة الانتقالي الذي لم يلبث أن تمدد إلى محافظة المهرة المجاورة، ليحقق بذلك سيطرة غير مسبوقة على المحافظات الجنوبية الثماني لأول مرة.
حضرموت: مفتاح الصراع ومحور النفوذ الاقتصادي
تكمن أهمية حضرموت في كونها تملك حوالي 80% من احتياطيات النفط اليمني المعروفة، مما يجعل السيطرة عليها ورقة نفوذ اقتصادية لا يمكن مضاهاتها.
اليمن… الانتقالي الجنوبي يتوعد بانفصال واستعادة دولة الجنوب
كما أن امتدادها الجغرافي من بحر العرب حتى الحدود السعودية يمنح من يهيمن عليها أذرع تأثير في الأمن الطاقوي وخطوط التجارة.
هذه الأهمية تتجاوز الإيرادات إلى قدرة الفاعل المهيمن على حضرموت في التأثير على مخرجات أي تسوية سياسية قادمة، من رسم حدود الكيانات إلى توزيع الموارد والسلطات الأمنية، مما يجعل معركة حضرموت معركة على شكل الدولة المقبلة ومكانة الجنوب في معادلة ما بعد الحرب.
حسابات الأطراف الإقليمية والدولية
يرى المجلس الانتقالي في السيطرة على حضرموت خطوة أساسية على طريق “استعادة دولة الجنوب” بحدود ما قبل 1990، وهو ما يتماهى مع أجندة إماراتية أوسع تهدف لتعزيز نفوذ بحري واقتصادي ممتد من بحر العرب حتى البحر الأحمر والقرن الأفريقي.
اليمن : وصول فريق سعودي-إماراتي إلى عدن لتهدئة التوتر وعودة قوات الانتقالي إلى مواقعها السابقة
على النقيض، تنظر السعودية إلى حضرموت باعتبارها جزءاً عضوياً من أمنها القومي وتدعم قوات “درع الوطن” وحلف قبائل حضرموت لمنع تمدد نفوذ إماراتي تعتبره مقلقاً على حدودها. وفي هذا السياق، تسعى الرياض لهندسة توازن لا يسمح بتفرد طرف واحد بالقرار في المحافظة.
وفي محاولة لخفض التصعيد، دفعت السعودية بوفود للتهدئة وطالبت بانسحاب قوات الانتقالي وتسليم المواقع لقوات درع الوطن، مؤكدة أن حضرموت “ليست ساحة صراع”.
تداعيات واسعة النطاق ومخاطر مركبة
يمثل هذا التصعيد أكبر تغيير في الخريطة اليمنية منذ هدنة 2022، وقد يعجل بخطوات أحادية نحو إعلان استقلال الجنوب، أو يفتح الباب أمام مواجهات جديدة. رفضت الحكومة اليمنية المعترف بها هذه التحركات، محذرة من مخاطر تقسيم اليمن وتقليص هامشها التفاوضي.
صدمة المهرة: قائد الجيش العُماني يظهر على الحدود اليمنية بالتزامن مع سيطرة الانتقالي
دوليًا، أثار المشهد قلقًا أممياً وغربياً من تفكك اليمن. كما أن التحكم بحقول النفط ومنشآت التصدير يضع ورقة ضغط حساسة على طاولة المفاوضات، إذ أن أي اضطراب أمني في الإنتاج يضاعف أزمة الإيرادات في البلاد.
هذا الانشغال في الشرق يمنح الحوثيين هامشاً مناورياً أكبر، مما يعقّد ملف السلام الوطني الشامل، حيث أن كل تقدم في حضرموت خارج تفاهمات أوسع يطيل الطريق نحو تسوية يتقاسم فيها اليمنيون السلطة والثروة ضمن إطار موحد. وتظل حضرموت، بهذه العدسة، عقدة وصل بين البر والبحر، ومن يملك مفاتيحها يمتلك مفاوضة الإقليم على أكثر من صعيد.










