في تصعيد يعكس توتراً متزايداً، أصدر أحفاد الشيخ صالح العلي، رمز المقاومة الوطنية السورية، بياناً رسمياً قوياً للرد على “إساءات متكررة” لشخصية جدهم التاريخية، مؤكدين أن هذه التصريحات، وآخرها لمسؤول في الحكومة الانتقالية، “تثير الفتنة المجتمعية” وتهدد النسيج الوطني السوري.
ويأتي هذا الغضب في أعقاب محاولات رسمية لربط شخصية الشيخ العلي، الذي قاد ثورة ضد الانتداب الفرنسي، بالشقاق الطائفي.
اتهامات بـ “خطاب فئوي متطرف” وانتهاكات ضد العلويين
وجه بيان أحفاد الشيخ صالح العلي اتهامات حادة ومباشرة لـ سلطة أحمد الشرع، محذراً من تبعات ممارساتها وخطابها، مشيراً إلى تبني خطاب فئوي ومتطرف: اتهام الحكومة بتبني “خطاب فئوي ومتطرف يهدد الوطنية السورية”.
وانتهاكات مستمرة حيث اشار بيان أحفاد الشيخ صالح العلي إلى “ارتكاب عمليات إبادة وخطف مستمرة بحق أبناء الطائفة العلوية”، وذكر محاولة عناصر تابعين للقوات الحكومية تحطيم تمثال الشيخ صالح العلي في طرطوس.
واعتبار بيان أحفاد الشيخ صالح العلي استمرار “التحالف الجهادي” في السلطة يمثل تهديداً لسوريا وللإنسانية.
تفنيد التشكيك في وطنية الثورة
ركز البيان على دحض التصريحات المشككة في دوافع ثورة الشيخ صالح العلي، وتحديداً مقطع المتحدث باسم وزارة الداخلية “نور الدين البابا”، الذي وصف الثورة بأنها صراع بين العلويين والإسماعيليين.
وأكد بيان أحفاد الشيخ صالح العلي أن هذه التصريحات “مخالفة للواقع التاريخي”، مذكرة بأن الدولة السورية كرمت الشيخ صالح العلي رسمياً عام 1945، وأنه ألقى كلمة في عيد الجلاء الأول عام 1946. كما استشهد البيان بشهادات شخصيات وطنية بارزة مثل شكري القوتلي وهاشم الأتاسي، لتأكيد الطابع الوطني الجامع لثورته.
وشددت العائلة على استمرارها في الدفاع عن القيم الوطنية والإنسانية، مؤكدة أن موقف الشيخ هو موقف تفخر به، رغم المضايقات التي تعرض لها هو وأسرته من قبل “النظام السابق”.
من هو الشيخ صالح العلي؟
يُعدّ الشيخ صالح بن علي بن سلمان، المولود عام 1885 في قرية المريقب التابعة لمحافظة طرطوس، أحد أبرز قادة المقاومة الوطنية السورية ضد الاحتلالين العثماني ثم الفرنسي.
ونشأ صالح العلي في بيئة دينية واجتماعية مؤثرة، إذ كان والده الشيخ علي سلمان زعيمًا محترمًا ومرجعًا دينيًا واجتماعيًا لأبناء عشيرته، ما أسهم في صقل شخصيته المبكرة القائمة على العلم والحكمة والشجاعة.
وبعد وفاة والده، أجمعت العشيرة على مبايعة صالح العلي زعيمًا لها رغم صغر سنه، تقديرًا لما عُرف به من رجاحة عقل وقدرة على القيادة.
دوره في الثورة العربية الكبري
ومع اندلاع الثورة العربية الكبرى عام 1916 بقيادة الشريف حسين بن علي، كان صالح العلي في طليعة من لبّوا النداء، ليدخل في مواجهة مباشرة مع القوات العثمانية، ويعلن الثورة المسلحة متخذًا من قرية الشيخ بدر مقرًا له، حيث خاض أولى معاركه ضد القوافل العسكرية العثمانية وحقق انتصارات لافتة.
ومع نهاية الحرب العالمية الأولى وبدء الاحتلال الفرنسي لسوريا، تصاعد دور الشيخ صالح العلي في مقاومة القوات الفرنسية، فقاد سلسلة من المعارك البارزة في جبال الساحل السوري بين عامي 1919 و1921، من أبرزها معارك الشيخ بدر، وبابنا، ووادي ورور، وقلعة المريقب، التي كبّد خلالها القوات الفرنسية خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد، رغم محدودية إمكانيات الثوار.
رفض العفو الفرنسي
ورفض صالح العلي كل محاولات الاستمالة الفرنسية، سواء عبر العفو المشروط أو العروض السياسية والمالية، متمسكًا بمطلبه الأساسي المتمثل في وحدة سوريا وجلاء القوات الأجنبية عنها. وبعد تصفية الثورة واحتلال معاقلها عام 1921، صدر بحقه حكم بالإعدام، وظل متخفيًا فترة طويلة قبل أن يشمله عفو لاحق، ليعتزل بعدها العمل العام، باستثناء مشاركته المعنوية في الانتفاضة الوطنية عام 1936 دفاعًا عن وحدة البلاد ودستورها.
وعُرف الشيخ صالح العلي بسيرته الأخلاقية العالية وكرمه وتواضعه، إضافة إلى كونه عالمًا في فقه الشريعة الإسلامية، ومحبًا للأدب والشعر، حيث نُسبت إليه قصائد تناولت معارك الثورة بروح وطنية عالية. كما أوقف أكثر من ثلاثين ألف دونم لأعمال الخير والبر.
توفي الشيخ صالح العلي في 13 أبريل نيسان 1950 بعد معاناة مع المرض، وأُشرف على علاجه الطبيب الألماني الشهير كارل كورت بتكليف رسمي، ودُفن في قرية الشيخ بدر في طرطوس، حيث شُيّع في جنازة رسمية وشعبية، وأقيمت له مراسم تأبينية حضرها كبار المسؤولين والشخصيات الوطنية، ليبقى اسمه حاضرًا في الذاكرة السورية كأحد رموز النضال الوطني والاستقلال.










