لندن –14 ديسمبر 2025
أوروبا تشهد تصاعدًا غير مسبوق في الخطاب المعادي للمهاجرين مع ارتفاع جرائم الكراهية، تصاعد سياسات الترحيل، وصعود الأحزاب اليمينية المتشددة، في ظل تأثير الأزمات الاقتصادية والهجرة على السياسة والمجتمع.
شهدت أوروبا خلال العام الأخير ارتفاعاً لافتاً في موجة معاداة المهاجرين، وتحولت قضية الهجرة من كونها موضوعاً هامشياً إلى محور صلب للنقاش السياسي، مع زيادة تأثير اليمين المتطرف على السياسات الحكومية. في بريطانيا، خرج عشرات الآلاف في مسيرات عبر لندن يهتفون “أعيدوهم إلى بلادهم”، فيما دعا نواب بريطانيون لترحيل المقيمين الأجانب منذ عقود. كما أشار بعض النواب إلى انزعاجهم من وجود وجوه غير بيضاء في وسائل الإعلام، فيما لم تُفرض أي مساءلة على تلك التصريحات.
في دول أوروبية أخرى، تصاعدت شعبية أحزاب يمينية متشددة تتبنى سياسات ترحيل جماعي وتصف الهجرة بأنها تهديد للهوية الوطنية، مثل حزب Reform UK في بريطانيا، وحزب التحالف من أجل ألمانيا، والتجمع الوطني الفرنسي، حيث تُظهر استطلاعات الرأي تصدرها المشهد السياسي المحلي في عدة مناطق.
أسباب تصاعد الخطاب المعادي للمهاجرين
يرى خبراء أن تصاعد الخطاب المعادي للمهاجرين يعود إلى عوامل متعددة تشمل:
• الأزمات الاقتصادية: ركود طويل منذ الأزمة المالية العالمية 2008 أثر على الشعور بالاستقرار الاقتصادي وزاد القلق الاجتماعي.
• صعود زعماء وطنيين متطرفين: سياسيون كاريزماتيون يستفيدون من الأزمات لتسويق خطاب قومي وشديد العداء للمهاجرين.
• وسائل التواصل الاجتماعي: منصات مثل X تعزز المحتوى الاستقطابي، حيث تروج الخوارزميات للمواد المثيرة للانقسام، فيما يقوم أصحابها، مثل إيلون ماسك، بإعادة نشر خطاب اليمين المتطرف.
• سياسات الولايات المتحدة السابقة: تصريحات ترامب وتصويره أوروبا كمهددة بالهجرة والمهاجرين عززت خطاب الكراهية في القارة.
جرائم الكراهية وأعمال العنف
تشير الإحصاءات الرسمية إلى زيادة جرائم الكراهية في بريطانيا، حيث سجلت الشرطة في إنجلترا وويلز أكثر من 115 ألف جريمة خلال السنة المنتهية في مارس 2025، بزيادة 2% عن العام السابق. وقالت النائبة السوداء البريطانية دون باطِلر إن التهديدات ضدها على وسائل التواصل الاجتماعي ازدادّت بشكل كبير حتى وصلت إلى تهديدات بالقتل.
كما شهدت البلاد احتجاجات وأعمال عنف بعد مقتل ثلاث فتيات في يوليو 2024 خلال فصل رقص مستوحى من تايلور سويفت، حيث ساهمت معلومات مضللة على الإنترنت في تضليل الرأي العام وتوجيه الاتهام لمهاجر مسلم بريء. وفي هولندا وأيرلندا، غالباً ما تتصاعد الاحتجاجات حول إنشاء مراكز استقبال اللاجئين، وأحياناً تتحول إلى أعمال عنف، بما في ذلك إطلاق الألعاب النارية على قوات الأمن.
تحرك الأحزاب التقليدية نحو التشدد
في مواجهة صعود اليمين المتطرف، اتجهت الأحزاب التقليدية نحو سياسات أكثر تشدداً، منها:
• جعل إقامة المهاجرين الدائمة أكثر صعوبة، مستوحاة من التجربة الدنماركية.
• ترحيل المواطنين مزدوجي الجنسية المتورطين في جرائم، كما أعلنت الحكومة البريطانية والمركزية الأوروبية.
تصريحات بارزة للقيادات السياسية
رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر استخدم عبارة “جزيرة الغرباء”، ما أثار جدلاً حول صدى خطاب قديم معادٍ للمهاجرين من عام 1968.
المستشار الألماني فريدريش ميرتس صاغ تصريحات حول “Stadtbild” اعتبرها النقاد ضمنيًا رفضاً للغير ألمان، رغم تأكيده لاحقاً على أهمية الهجرة لدعم الاقتصاد وقطاعات حيوية مثل الصحة.
مظاهر الاحتجاجات والتطرف
في سبتمبر 2025، شارك أكثر من 100 ألف شخص في مسيرة بلندن تحت شعار “نريد بلادنا مرة أخرى”، بتنظيم من الناشط اليميني المتطرف توماي روبنسون، بمشاركة السياسي الفرنسي اليميني إريك زيمور، الذي حذر من “الاستبدال الكبير للشعوب الأوروبية”.
التحذيرات الحقوقية
حذر خبراء حقوق الإنسان من أن تشديد اللغة والخطاب السياسي المعادي للمهاجرين يوسع الانقسامات الاجتماعية ويعمّق الاستقطاب. وأشار مفوض حقوق الإنسان في مجلس أوروبا، مايكل أوفلاهرتي، إلى أن التركيز الحالي على المهاجرين قد يمتد مستقبلاً إلى جماعات أخرى، محذراً من أن السياسات المتشددة تخلق دائرة لا تنتهي من المطالبات المتطرفة.
تصاعد خطاب معاداة المهاجرين في أوروبا لم يعد مجرد ظاهرة هامشية، بل أصبح جزءاً من صميم السياسة الأوروبية، مع تزايد التوترات الاجتماعية، وارتفاع جرائم الكراهية، وتحول السياسات التقليدية نحو تشديد الإجراءات ضد المهاجرين، في ظل صعود اليمين المتطرف واستغلال الأزمات الاقتصادية والهجرة لتغيير المشهد السياسي والاجتماعي.










