في خطوة تحمل أبعاداً تجارية وسياسية متشابكة، أعلنت الصين خفض الرسوم الجمركية المفروضة على واردات لحم الخنزير من الاتحاد الأوروبي، في الحكم النهائي لتحقيق مكافحة الإغراق الذي استمر 18 شهراً، في قرار يُنظر إليه باعتباره تهدئة جزئية للتوتر التجاري المتصاعد بين بكين وبروكسل
بكين –16 ديسمبر 2025
أعلنت الصين، اليوم الثلاثاء، خفضاً كبيراً في الرسوم الجمركية المفروضة على واردات لحم الخنزير من الاتحاد الأوروبي، التي تتجاوز قيمتها ملياري دولار، وذلك في الحكم النهائي لتحقيق مكافحة الإغراق الذي استمر 18 شهراً، ويُنظر إليه على نطاق واسع باعتباره رداً على الرسوم الأوروبية المفروضة على السيارات الكهربائية الصينية.
ورغم أن القرار قوبل بارتياح نسبي داخل أوساط صناعة لحم الخنزير الأوروبية، فإن المنتجين أكدوا أن الرسوم ستظل ذات أثر سلبي على أرباحهم، في حين أعربت المفوضية الأوروبية عن قلقها وتعهدت بالدفاع عن المصدرين الأوروبيين.
ووفق بيان لوزارة التجارة الصينية، ستفرض بكين رسوماً تتراوح بين 4.9% و19.8% على واردات لحم الخنزير من دول الاتحاد الأوروبي لمدة خمس سنوات اعتباراً من الأربعاء، وهي نسب أقل بكثير من الرسوم المؤقتة التي تراوحت بين 15.6% و62.4% والتي فُرضت في سبتمبر الماضي. كما أوضحت الوزارة أن المستوردين سيحصلون على تعويض عن الفارق في الرسوم التي دُفعت منذ صدور القرار الأولي.
ويُعد هذا القرار بمثابة انفراجة جزئية للمنتجين الأوروبيين الذين يعتمدون بشكل كبير على السوق الصينية، خصوصاً في تصدير أجزاء مثل آذان وأقدام الخنازير، التي لا تلقى طلباً يُذكر في أسواق أخرى.
موقف المفوضية الأوروبية
بدأت الصين تحقيق مكافحة الإغراق في يونيو من العام الماضي، وشمل كبار المصدّرين الأوروبيين مثل إسبانيا وهولندا والدنمارك. وفي عام 2024، جاء أكثر من نصف واردات الصين من لحم الخنزير، التي بلغت قيمتها 4.8 مليار دولار، من الاتحاد الأوروبي، وتصدّرت إسبانيا قائمة المصدّرين من حيث الحجم.
وأفادت بيانات حكومية إسبانية بأن صادرات لحم الخنزير إلى الصين شكّلت 17.6% من إجمالي صادرات الاتحاد الأوروبي من هذا المنتج، لتأتي في المرتبة الثانية بعد المملكة المتحدة التي استحوذت على 29.7%.
وفي بيان لها، وصفت المفوضية الأوروبية التحقيق الصيني بأنه يستند إلى “ادعاءات مشكوك فيها وأدلة غير كافية”، مؤكدة أنها ستدافع عن المزارعين والمصدرين الأوروبيين في مواجهة ما اعتبرته “استخداماً تعسفياً لأدوات الدفاع التجاري”، مع تعهّدها بتقييم القرار في ضوء قواعد منظمة التجارة العالمية.
كما أشارت المفوضية إلى أن الصين تجري تحقيقاً آخر بشأن دعم منتجات الألبان الأوروبية، من المقرر أن تصدر نتائجه في فبراير المقبل، وكانت قد فرضت بالفعل رسوماً على مشروبات البراندي الأوروبية.
استئناف المحادثات
لم توضح الصين أسباب خفض الرسوم، لكنها أعلنت الأسبوع الماضي استئناف المحادثات مع الاتحاد الأوروبي بشأن الرسوم على السيارات الكهربائية. ويأتي ذلك في ظل زيارات دبلوماسية رفيعة المستوى، من بينها زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والعاهل الإسباني الملك فيليبي إلى بكين.
وفي السياق ذاته، التقى مسؤولون إقليميون إسبان بالسفير الصيني خلال الأسابيع الماضية، مطالبين بتخفيف الرسوم، ومشيرين إلى انفتاح إسبانيا على الاستثمارات الصينية في قطاع السيارات.
وقال وزير الزراعة الإسباني لويس بلاناس إن القطاع المحلي قادر على استيعاب الرسوم الجديدة، معتبراً القرار عامل استقرار للسنوات الخمس المقبلة، ومضيفاً أن مخاوف المفوضية الأوروبية مفهومة، وأن “كل شيء قابل للتغيير عبر المفاوضات”.
وقبل فرض رسوم مكافحة الإغراق، كانت واردات لحم الخنزير من الاتحاد الأوروبي والبرازيل تخضع لرسوم “الدولة الأولى بالرعاية” بنحو 12% على العديد من المنتجات، في حين تخضع الصادرات الأميركية لرسوم أعلى بكثير.
ردود فعل متباينة
حالياً، تخضع معظم الشركات الإسبانية لرسوم معتدلة نسبياً تبلغ 9.8%، بينما حصلت شركة “ليتيرا ميت” الإسبانية على أدنى نسبة عند 4.9%، ووصفت النتيجة بأنها “إيجابية للغاية”.
وقال جوزيبي ألويزيو، رئيس اتحاد صناعة اللحوم الإسباني “أنيس”، إن المحادثات مرشحة للاستمرار لأن الرسوم ستؤثر سلباً على هوامش الأرباح. وفي فرنسا، اعتبرت آن ريشارد، مديرة اتحاد صناعة لحم الخنزير “إينابورك”، أن هناك شعوراً بالارتياح بعد الاعتراف بتعاون جميع المسالخ المصدّرة ومنحها نسبة 9.8%، لكنها شددت على أن “الحديث عن ضريبة لا يدعو للاحتفال”.
من جانبه، قال مورتن بويه هفيد، الرئيس التنفيذي لمجلس الزراعة والأغذية في الدنمارك، إن الرسوم النهائية لا تزال مرتفعة وتخلق منافسة غير متكافئة داخل الاتحاد الأوروبي، ما يزيد الضغوط السعرية.
واعتبر الخبير في التجارة الدولية نيميسيو سانشيز أن النهج الصيني “يساهم في تقسيم السياسة الاقتصادية الأوروبية”.
تأثيرات داخل الصين
تضم الصين نحو نصف عدد الخنازير في العالم، ويعاني قطاعها الضخم من فائض في المعروض وسط ضعف الطلب الاستهلاكي. وقد شهدت أسعار لحم الخنزير في الصين تراجعاً مستمراً طوال عام 2025، مع توقعات بمواصلة الانخفاض.
ويرى محللون أن الرسوم، حتى بعد خفضها، قد تسهم بشكل طفيف في الحد من انكماش أسعار الغذاء عبر رفع أسعار الواردات. وقال إيفن روجرز باي، مدير في شركة “تريفيوم تشاينا” الاستشارية في بكين، إن ذلك “سيعود بالفائدة على شركات تربية الخنازير الصينية التي عانت من انخفاض الأسعار طوال العام”.










