«تمرّد اليمين على زعيمه: كيف تحوّل شعار “أمريكا أولًا” إلى معركة “من هو الماغا الحقيقي”؟»
أزمة حركة «ماغا» اليوم ليست حركة منظمة لإسقاط حكم ترامب، بل حالة تشقق داخلي عميق تهدد بتفجير «حرب أهلية سياسية» داخل المعسكر اليميني نفسه، من دون أن تُنتج حتى الآن بديلًا جمهوريًا موحدًا قادرًا على انتزاع النفوذ منه.
الانقسامات بين التيارات القومية المتشددة، والمحافظين التقليديين، ورجال الأعمال، واليمينيين الشباب، تتقاطع مع موجة مقاومة متنامية داخل الكونغرس وحكومات الولايات لقرارات ترامب، لكنها لا تزال أقرب إلى تمردات جزئية من كونها مشروعًا متكاملًا لإنهاء حكمه.
انقسامات ماغا: حركة واحدة أم ست حركات؟
تحليلات صحف دولية كبرى ترصد اليوم ما تسميه «تشظّي ماغا» إلى ستة أجنحة متصارعة: متشددو الهجرة والحروب الثقافية، المحافظون المسيحيون التقليديون، نخبة رجال الأعمال، تيار التدخل العسكري الخارجي، جماعات المؤثرين الرقميين، وكتلة «الولاء الشخصي لترامب».
هذا التنوع كان في السابق مصدر قوة تحت مظلة شعار واحد، لكنه تحول مع عودة ترامب للبيت الأبيض إلى ميدان تنافس على تعريف «من هو الماغا الحقيقي»، ومعارك اتهامات متبادلة بالخيانة والاعتدال الزائف وتقديم تنازلات للمؤسسة التقليدية في واشنطن.
ملف الهجرة يشكل خط صدع بارزًا؛ فتيارات قومية متشددة تتهم إدارة ترامب وبعض حلفائه الجدد، ومن بينهم رجال أعمال وتكنوقراط يمينيون، بتليين المواقف تجاه الهجرة القانونية لصالح النخب الاقتصادية على حساب «العمال الأمريكيين» الذين شكلوا القاعدة التاريخية للموجة الشعبوية.
ومع لكل أزمة اقتصادية أو موجة عنف عنصري، تتجدد الاتهامات داخل المعسكر نفسه بأن «ماغا» انحرفت عن وعدها الأصلي بإعادة الاعتبار للطبقات الوسطى والفقيرة البيضاء، ما يفتح الباب أمام انشقاقات انتخابية محتملة في الانتخابات النصفية المقبلة.
ملفات إبستين وإيران وغزة: وقود الانفجار الداخلي
الخلاف حول ما يُعرف بـ«ملفات إبستين» شكّل نقطة تحوّل؛ إذ صوّت غالبية الجمهوريين في الكونغرس لصالح إلزام وزارة العدل بالكشف عن وثائق مرتبطة بالتحقيق في شبكة الملياردير المتهم بالاتجار الجنسي جيفري إبستين، متحدّين رغبة ترامب الذي وصف الأمر بـ«المؤامرة» و«الخدعة».
هذا التصويت عُدّ أول تمرد منظم داخل معسكر يُفترض أنه يدور بالكامل في فلك الرئيس، وكشف عن شعور متزايد لدى بعض النواب بأن الاستمرار في حماية حلفاء مشبوهين أو ملفات سامة قد يكلّفهم مقاعدهم أمام الرأي العام المحافظ نفسه.
قرار ترامب بقصف منشآت إيرانية في صيف 2025 فجّر بدوره صراعًا مفتوحًا بين جناح انعزالي داخل ماغا يرفض «الحروب اللانهائية» وبين «الصقور» الجمهوريين المؤيدين للتدخل العسكري.
مؤثرون يمينيون بارزون اتهموا ترامب بخيانة شعار «أمريكا أولًا» وجرّ البلاد إلى مغامرات خارجية لا تخدم الناخب الذي منحه السلطة، فيما ردّ hawks الحزب بأن تراجع الولايات المتحدة عن استعراض قوتها سيضعف نفوذها عالميًا ويفسح المجال لإيران وروسيا.
الانقسام تكرّر في ملف غزة؛ فبينما اصطفّت قطاعات من ماغا مع الخط التقليدي الداعم المطلق لإسرائيل انطلاقًا من تحالف ديني وسياسي قديم، تبنى جناح انعزالي أكثر تشددًا خطابًا ناقدًا للمساعدات الخارجية و«تورّط واشنطن في نزاعات لا تخص المواطن الأمريكي»، ما خلق خطوط تماس داخل الجمهور نفسه بين «ماغا مؤيدة لإسرائيل» و«ماغا ضد التدخل أصلًا».
تمرد الجمهوريين: مقاومة مؤسساتية أم صحوة متأخرة؟
في موازاة هذه الصدوع داخل القاعدة الشعبية، أخذت ملامح تمرّد داخل المؤسسات الجمهورية في الظهور؛ إذ سجلت الأشهر الأخيرة سلسلة مواقف تحدّى فيها نواب وسيناتورات جمهوريون ضغوط ترامب وصوّتوا ضده في ملفات حساسة، من إعادة ترسيم الدوائر الانتخابية في ولايات مثل إنديانا، إلى رفض قرارات تنفيذية تمس حقوق العمال والنقابات.
تقارير صحفية تشير إلى أن جزءًا من هذا التمرد سببه تراجع الخوف من تأثير ترامب الانتخابي مع هبوط شعبيته في بعض استطلاعات الرأي، إضافة إلى سوء أداء الجمهوريين في انتخابات فرعية وأخرى محلية، ما دفع نوابًا إلى إعادة حساباتهم بين الولاء للرئيس والبقاء السياسي.
في الخلفية، تتحرك مجموعات «محافظين ضد ترامب» و«الجمهوريون من أجل سيادة القانون» وامتدادات «اللينكولن بروجيكت» لمحاولة استثمار شروخ ماغا، عبر حملات تستهدف الناخب الجمهوري الذي يشعر بالإنهاك من الصدام الدائم والفوضى، داعيةً إلى «يمين بلا ترامب» يحافظ على القيم المحافظة دون شخصنة السلطة في رجل واحد.
لكنها حتى الآن تظل نخبوية الطابع، محدودة التأثير خارج دوائر الإعلام والسياسة، ولم تنجح في تقديم زعيم بديل يمكن الالتفاف حوله داخل الحزب.
هل تسقط ماغا حكم ترامب أم تعيد تشكيله؟
الوضع الراهن أقرب إلى «حرب مواقع» طويلة داخل اليمين الأمريكي منه إلى حركة موحّدة لإسقاط حكم ترامب؛ فحتى أكثر منتقديه داخل ماغا يعترفون بأنه لا يزال «الزعيم الأوحد» القادر على جمع ملايين الناخبين الغاضبين حوله، وأن أي مواجهة مفتوحة قد تنتهي بانتحار انتخابي للحزب الجمهوري نفسه.
ومع ذلك، فإن تراكم التمردات الصغيرة – من تصويتات الكونغرس، إلى تمرّد برلمانات الولايات، إلى حملات المحافظين المناهضة لترامب – يخلق واقعًا جديدًا يحد من قدرته على الحكم بقبضة مطلقة ويجبره على التفاوض مع أجنحة داخل معسكره.
بهذا المعنى، قد لا تكون «حركة ماغا» هي الأداة التي تُسقط حكم ترامب مباشرة، لكنها تتحول تدريجيًا إلى ساحة صراع على «اليوم التالي»؛ من يقود اليمين الشعبوي بعده، وبأي خطاب وحدود للعلاقة بين القاعدة الغاضبة والمؤسسات الدستورية.
وإذا استمرت الانقسامات على حالها مع اقتراب انتخابات منتصف المدة وما يليها، فإن أخطر تهديد لحكم ترامب قد لا يأتي من الديمقراطيين، بل من «ماغا ضد ماغا»؛ حركة صنعت زعيمها على صورة غضبها، ثم بدأت تتململ من ثمن بقائه الأبدي على قمة هرمها.










