«أمير المليارات أم أمير الجدل؟ استثمارات الوليد بين تعظيم أرباحه وإشعال معارك المجتمع السعودي»
الأمير الوليد بن طلال يعود اليوم إلى واجهة المشهدين الاقتصادي والرياضي معًا؛ بين تصدّره قائمة أغنى الأثرياء العرب لعام 2025، وتحركاته المثيرة للجدل في ملف خصخصة نادي الهلال واستثمارات «المملكة القابضة» العابرة للقطاعات والحدود.
وبينما يقدمه أنصاره كـ«رأس حربة» لرأس المال السعودي عالميًا، يحمّله منتقدون مسؤولية تعميق نفوذ المال على الكرة والسياسة والمجتمع، في ظل صفقات بمليارات الريالات ومواقف علنية تستفز المحافظين وتثير نقاشًا واسعًا حول حدود دور الملياردير في الفضاء العام.
صعود الثروة ونفوذ «المملكة القابضة»
تؤكد بيانات فوربس أن الأمير الوليد بن طلال تصدّر قائمة أثرياء العرب لعام 2025 بثروة تقدَّر بنحو 16.5 مليار دولار، ليصبح أغنى رجل في العالم العربي وأغنى ملياردير سعودي، بعد عودة قوية للأسماء السعودية إلى قائمة المليارديرات العرب.
ويستند هذا النفوذ إلى شبكة استثمارات ضخمة عبر «المملكة القابضة» في الفنادق الفاخرة والعقارات والبنوك العالمية وقطاعات الإعلام والتقنية والنقل، ما منح الرجل حضورًا متجددًا في قلب النقاش حول تنويع الاقتصاد السعودي وفق رؤية 2030.
استثمارات «المملكة القابضة» تمتد من برج المملكة في الرياض إلى حصص في شركات دولية كبرى في التكنولوجيا والإعلام، إضافة إلى شراكات في قطاعات السياحة والطيران والطاقة الجديدة، وهو ما يقدّمه الأمير بوصفه مساهمة مباشرة في تقليل الاعتماد على النفط وتعزيز صورة السعودية كقوة استثمارية عالمية.
غير أن هذا الانتشار يفتح في المقابل أسئلة عن تركّز القرار المالي في يد قلة من المليارديرات، وحدود الرقابة الشعبية والبرلمانية على مسار هذه المليارات وعلى انعكاسها الفعلي على حياة السعوديين اليومية.
صفقة الهلال… كرة القدم تتحول إلى ملف سيادي
الاسم الأكثر تداولًا حول الأمير هذه الأيام هو نادي الهلال؛ فمصادر سعودية ودولية كشفت أن الوليد بن طلال يقترب من الاستحواذ على 75% من حصة الصندوق السيادي في النادي مقابل صفقة توصف بالتاريخية، على أن تُستكمل النسبة المتبقية من وزارة الرياضة، ليصبح الهلال ابتداءً من 2026 تحت ملكية استثمارية خاصة لأول مرة في تاريخه.
ويأتي ذلك بعد سنوات من دعم الأمير المالي الهائل للهلال، من التكفل بصفقات لاعبين ونجوم، إلى مواقف علنية على منصات التواصل تتضمن مقارنات بين شعبية الأندية السعودية الكبرى وتصريحات محتدمة حول أداء الإدارة الفنية والصفقات.
المدافعون عن الصفقة يرون فيها خطوة منطقية تكافئ أكبر داعم للنادي تاريخيًا وتمنح الهلال استقرارًا ماليًا غير مسبوق، وقدرة أكبر على المنافسة في سباق التعاقدات القارية والعالمية.
لكن معارضيها يحذرون من تحويل النادي إلى «شركة شخصية» تخضع لحسابات مستثمر واحد، بما يعنيه ذلك من تعريض هوية الهلال وجماهيره لتقلبات مزاج مالك واحد، ومن تكريس نموذج خصخصة يغلّب منطق الربح على الوظيفة الاجتماعية والثقافية للرياضة.
صورة متجددة في الإعلام العالمي
في حوار مطوّل مع «فوربس الشرق الأوسط» هذا العام، قدّم الوليد بن طلال نفسه بوصفه رجل أعمال عالميًا يتعامل مع تحولات النظام الاقتصادي الدولي، من عودة دونالد ترامب للرئاسة، إلى مخاطر عدم الاستقرار المالي والسباق المحموم في الذكاء الاصطناعي
وتحدث عن «الإرث الحقيقي» بوصفه أثرًا وقيمًا تتجاوز الأرقام المجردة، في محاولة لإعادة صياغة صورته بعد سنوات من الجدل الذي أثارته حملات مكافحة الفساد واحتجازه السابق في «ريتز كارلتون» قبل أن يخرج متمسكًا بخطابه عن «البراءة» وحقه في مواصلة الاستثمار
هذا الخطاب يصطدم بروايات أخرى تضع الأمير في خانة الأكثر إثارة للاستقطاب؛ فمواقفه العلنية من قضايا حساسة مثل الحرب في غزة وموقع حركة حماس، وموقفه من قضايا حقوقية وأخلاقية داخل المجتمع السعودي، استُخدمت لتسويقه لدى تيار محدد، لكنها أثارت غضب تيارات محافظة ترى في تصريحاته «تفويضًا غير مباشر» لتوجهات لا تعبّر عن هوية الشارع.
وهكذا يتحرك الوليد بين صورتين متناقضتين: مستثمر استراتيجي يفتح أبواب السعودية على الاقتصاد العالمي، ورمز لهيمنة رأس المال على الرياضة والسياسة والقيم، في مشهد يجعل كل خبر عنه شرارة جديدة لجدل لن ينتهي قريبًا.










