«نهائي عربي بطابع مغربي: هل يتحول لوسيل إلى “الرباط الجديدة” ويُترك النشامى في مقاعد المتفرجين؟
المباراة النهائية لبطولة كأس العرب 2025 في قطر بين المغرب والأردن تحولت إلى قمة عربية استثنائية، لأنها تجمع بين منتخبٍ مغربي قادم بثبات وقوة هجومية طاغية، ومنتخب أردني يعيش لحظة تاريخية ببلوغه النهائي لأول مرة في مسيرته.
اللقاء يُقام على استاد لوسيل يوم 18 ديسمبر، في موعد يتقاطع رمزيًا مع اليوم الوطني لقطر، ما يضيف بعدًا احتفاليًا وسياسيًا إلى ليلة كروية مرشحة لتكون الأهم في الروزنامة العربية هذا العام.
منتخب المغرب حجز بطاقته إلى النهائي بعد فوز كاسح على الإمارات بثلاثية نظيفة في نصف النهائي على استاد خليفة الدولي، في عرض هجومي أكد عمق تشكيلته وقوة جيله الرديف.
سجل كريم البركاوي الهدف الأول برأسية في الدقيقة 28، قبل أن يضاعف أشرف المهديوي النتيجة في الدقيقة 83، ثم اختتم عبد الرزاق حمدالله الثلاثية في الوقت بدل الضائع 90+2، في مباراة بدت فيها الفوارق واضحة بدنيًا وتكتيكيًا.
اللاعبون المغاربة تحدثوا عن “عقلية قتالية” و”تفكير في اللقب لا أقل” عقب التأهل، مؤكدين أن الهدف منذ بداية البطولة كان بلوغ المشهد الختامي على طريق لقب ثانٍ في المونديال العربي.
هذا الأداء عزز الانطباع بأن المغرب يخوض كأس العرب بنَفَس منتخبات الصف الأول، حتى وهو يعتمد على عناصر من المنتخب الرديف وبعض الأسماء الساعية لتثبيت موطئ قدمها في قائمة “أسود الأطلس” الأولى.
رحلة الأردن التاريخية
على الجانب الآخر، كتب منتخب الأردن صفحة تاريخية جديدة بعد الفوز على السعودية 1–0 في نصف النهائي على استاد البيت، ليبلغ النهائي للمرة الأولى في تاريخه.
هدف نزار الرشدان في الدقيقة 66، برأسية محكمة بعد كرة عرضية من محمود المرضي، كان كافيًا لقلب كل التوقعات التي منحت الأفضلية المسبقة للأخضر السعودي.
المدرب المغربي جمال السلامي، الذي يقود النشامى، عبّر عن فخره بلاعبيه، مؤكدًا أن التأهل جاء نتيجة “أداء قتالي وروح عالية” وخطة تكتيكية اعتمدت على إخفاء بعض الأوراق، حتى بوضع لاعبين مصابين على دكة البدلاء لعدم منح الخصم أي أفضلية معلوماتية.
اللاعبون بدورهم أكدوا أن ما تحقق هو ثمرة “منظومة واحدة وقلب واحد”، وأن التركيز الآن منصب على “حصد اللقب لا مجرد شرف الوصول للنهائي”، في رسالة تعكس ثقة غير مسبوقة في غرفة الملابس الأردنية.
أبعاد تكتيكية ونفسية للنهائي
النهائي يحمل خصوصية إضافية لأن مدرب الأردن نفسه مغربي، ما يجعل المواجهة صدامًا رمزيًا بين “المدرسة الأصلية” والنسخة المطوَّرة منها في عمّان؛ إذ يعرف السلامي طريقة تفكير المدرب المغربي وخصائص اللاعب المغربي، لكن الأخير بدوره يملك معرفة عميقة بمدرسته الكروية وأبنائها أينما عملوا.
هذا التشابك يجعل القراءة التكتيكية للمباراة أكثر تعقيدًا، إذ يتقاطع الجانب العاطفي مع حسابات الصراع على لقب قد يغيّر مسار كل مشروع كروي منهما في السنوات المقبلة.
من الناحية الفنية، يدخل المغرب النهائي بترسانة هجومية متعددة الحلول وقدرة على التسجيل من الكرات الثابتة والمفتوحة، بينما يعتمد الأردن على تنظيم دفاعي منضبط وضربات خاطفة واستثمار ضيق المساحات كما فعل أمام السعودية.
الفارق في الخبرة الكبرى يميل لصالح المغاربة، لكن الضغط النفسي قد يكون مضاعفًا عليهم بحكم الترشيحات المسبقة، في حين يدخل النشامى المباراة بذهنية “لا شيء نخسره”، ما قد يحولهم إلى خصم محرَر من القيود أمام المرمى.
ملعب لوسيل… ما بعد النتيجة
استاد لوسيل، الذي احتضن نهائي كأس العالم 2022، يستعيد وهجه كمنصة لتتويج بطل عربي جديد، ليمنح كأس العرب بعدًا رمزيًا إضافيًا في سياق استثمار قطر المستمر في كرة القدم كأداة نفوذ ناعم في المنطقة.
اختيار 18 ديسمبر موعدًا للنهائي، في اليوم الوطني للدولة، يحوّل المباراة إلى جزء من سردية سياسية–رياضية أوسع، حيث تتقاطع مصالح إعلامية وتسويقية مع حلم الملايين في المغرب والأردن بليلة لن تُنسى.
وبين “أسود الأطلس” الساعين لكتابة فصل جديد في قصة هيمنة مغربية متصاعدة عربيًا وقاريًا، و”نشامى” يريدون انتزاع أول لقب كبير وإثبات أن كرة القدم في غرب آسيا ليست حكرًا على القوى التقليدية، تصبح نتيجة هذا النهائي أبعد من مجرد كأس؛ إنها استفتاء مفتوح على أي نموذج كروي سيقود المشهد العربي في المرحلة المقبلة










