أصبح القبطان إبراهيم تراوري، البالغ من العمر 37 عامًا، رئيس بوركينا فاسو بعد انقلاب عسكري في سبتمبر 2022، ليصبح أصغر زعيم دولة في العالم ويثير اهتمام الإعلام الدولي بقراراته الجريئة ونهجه الفريد في القيادة، ويعرف تراوري بكونه نموذجًا للشباب العسكري الذي يتحلى بالقدرة على الجمع بين الحزم العسكري والرؤية التنموية الاقتصادية والسياسية
المسيرة العسكرية والسياسية
ولد تراوري في بوركينا فاسو وانضم إلى الجيش الوطني عام 2010 حيث بدأ مسيرته العسكرية في مناصب صغيرة وأظهر قدرات قيادية واضحة منذ شبابه شملت الإرادة والشجاعة والقدرة على التواصل مع الجنود
في عام 2014 شارك تراوري في بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في مالي حيث أظهر شجاعة استثنائية خلال مواجهة الجماعات المسلحة في شمال تمبكتو وتمكن من التصدي لهجمات معقدة على قواته
بين 2019 و2022 شارك بشكل فعال في عمليات مكافحة التمرد داخل بوركينا فاسو وتمت ترقيته إلى رتبة قبطان عام 2020 وهي رتبة أدنى بثلاث رتب عن أعلى الرتب العسكرية في البلاد كوماندا ليتنانت كولونيل وكولونيل
صعوده إلى السلطة
في عام 2022، شهدت بوركينا فاسو سلسلة من الانقلابات العسكرية:
في يناير 2022، أطيح بالرئيس آنذاك.
في سبتمبر 2022، قاد تراوري انقلابًا ضد الرئيس بول هنري دامبا، متهمًا إياه بالفشل في مواجهة التمرد المسلح المستمر شمال البلاد.
تراوري، الذي كان أصغر من دامبا بسبع سنوات وأقل منه رتبة في السلم العسكري، أصبح الرئيس الفعلي والقائد الأعلى للقوات المسلحة، مع الاحتفاظ برتبة القبطان، ليصبح بذلك أصغر زعيم دولة في العالم
نهجه في الحكم
تراوري معروف بمواقفه المناهضة للاستعمار الجديد وسعى لبناء بوركينا فاسو مستقلة اقتصاديًا وسياسيًا وأبرز سياساته كانت حملة فريكست أو Frexit وهو مصطلح مركب من كلمتين France وExit أي خروج فرنسا وهى حملة لتحرير السيادة الوطنية لبوركينا فاسو من التدخل الفرنسي سواء كان عبر القوات العسكرية أو الاتفاقيات الاقتصادية أو النفوذ السياسي بما يهدف إلى تعزيز الاستقلال الوطني والسيطرة على الموارد الداخلية والتي شملت سحب القوات الفرنسية من بوركينا فاسو ومنطقة الساحل في يناير 2023 وأوقف النفوذ الفرنسي العسكري والسياسي والاقتصادي في البلاد
كما رفض الزيادات الرئاسية في الراتب محافظًا على راتبه العسكري المتواضع وأعلن التزامه بالشفافية ومحاربة الفساد
السياسات الاقتصادية والتنموية
ركز تراوري على تحقيق الاكتفاء الذاتي الاقتصادي وتنمية الموارد الوطنية من خلال تأميم مناجم الذهب وتعزيز التكرير المحلي وتطوير البنية التحتية في مجالات النقل والطاقة والزراعة وإنشاء مراكز دعم لصناعة القطن التقليدية وتعزيز الاستثمار في الصناعات التحويلية والزراعة والطاقة
وأظهرت مؤشرات اقتصادية أن بوركينا فاسو سجلت نموًا بنسبة 5.5 في المئة في 2024 فيما سجلت دول حليفة له مثل النيجر ومالي نموًا تجاوز ثلاثة في المئة مما يعكس نجاح استراتيجيته التنموية وسط تحديات الإرهاب والفقر
السياسة الخارجية والتحالفات الإقليمية
يقود تراوري تحالف دول الساحل الثلاثية (AES) مع مالي والنيجر لمواجهة التهديدات الإقليمية وتقليص النفوذ الغربي.
دفع بوركينا فاسو نحو شراكات استراتيجية مع روسيا، تركيا، والصين بعيدًا عن التبعية الاستعمارية التقليدية.
بعد الانقلاب، وصلت مجموعة Wagner الروسية (أعيدت تسميتها Africa Corp) لتقديم التدريب العسكري والحماية مقابل الوصول إلى مناجم الذهب، وهو ما يعرف بـ “نموذج الذهب مقابل الأمن”.
زار تراوري الكرملين في 2025 وشارك في اجتماعات AES في موسكو، ما يؤكد تعزيز العلاقة مع روسيا، ويزيد من توتر العلاقات مع الغرب، حيث تتهم فرنسا والولايات المتحدة موسكو باستغلال عدم الاستقرار في إفريقيا
تحدي نماذج القيادة التقليدية وإعادة تعريف الإسلام
أثار تراوري جدلًا عالميًا خلال مواجهته مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في قمة الاتحاد الأفريقي بأديس أبابا حيث انتقد القيادة الإسلامية التقليدية واعتماد إجماع العلماء لتبرير السلطة واعتبر ذلك استغلالًا سياسيًا كما ندد بالتجارية المبالغ فيها للحج والعمرة واعتبر السعودية ملعبًا للنخبة العالمية
تراوري يُعيد تعريف الإسلام على أنه فضائل مدنية للدفاع عن الوطن وهو ما تجسده ميليشيا المتطوعين للدفاع عن الوطن التي أصبحت عنصرًا أساسيًا في الاستراتيجية الأمنية لمواجهة الجماعات المسلحة
التحديات الأمنية والسياسات الدفاعية
أسس ميليشيا المتطوعين للدفاع عن الوطن (VDP) كعنصر أساسي في الاستراتيجية الأمنية لمواجهة الجماعات المسلحة شمال البلاد.
ركز على تعزيز قدرات الجيش الوطني من خلال التدريب المتقدم، استخدام الطائرات المسيرة، وتطوير القوات الميدانية في المناطق المتضررة من الإرهاب
الرؤية الأفريقية والقومية
دعا تراوري القادة الأفارقة إلى توحيد الصفوف ومقاومة النفوذ الإمبريالي، معتبرًا أنه يجب على القارة أن تتوقف عن “التصرف كدمى تتأرجح مع الإمبرياليين”.
يروج لفكرة النهضة الأفريقية مستلهمًا زعماء مثل توماس سانكارا، باتريس لومومبا، وكوامي نكروما.
ركز على إعادة تعريف مفاهيم القيادة والقيادة الدينية في إطار الالتزام بالعدالة، والمساواة، والدفاع عن حقوق المواطنين، وهو ما جسدته سياساته تجاه الحج والعمرة والموقف من القيادة الإسلامية التقليدية
التأثير والإرث
حظي تراوري بشعبية كبيرة بين الشباب، الذين صنعوا ميمز وفيديوهات وأعمال فنية مكرسة لشخصيته.
يُنظر إليه كرمز للقيادة الشابة الجريئة في إفريقيا، يجمع بين الحزم العسكري، التنمية الاقتصادية، ومقاومة النفوذ الاستعماري.
يمثل صعوده بداية جديدة لمفهوم الاستقلال الاستراتيجي للبلدان الإفريقية والتحكم في الموارد الوطنية، مع تعزيز وحدة القارة وتحقيق السيادة الكاملة.
تراوري يمثل نموذجًا للشباب الأفريقي القيادي، حيث يجمع بين الشجاعة العسكرية، الرؤية السياسية، والالتزام بالقيم الوطنية والقارية، ليكون رمزًا للمقاومة ضد الاستعمار الحديث وتعزيز سيادة إفريقيا.











