مع نهاية عام 2025 وبداية 2026، يشهد المشهد السياسي الدولي تحولات عميقة أعادت رسم خرائط النفوذ في الشرق الأوسط، كان أبرزها القرار الذي اتخذه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتصنيف جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية.
هذا القرار، الذي وُصف بالزلزال السياسي، لم يكن حدثاً معزولاً، بل جاء تتويجاً لمسار طويل من التفاعل والتوظيف ثم الفراق بين واشنطن والتنظيم الدولي للإخوان، في إطار ما وصفته قناة «لعبة المصالح» بسياسة «الوظيفة والمنفعة».
قرار رئاسي يتحول إلى موجة سياسية
بحسب التقرير المصوّر، أنهى القرار الأمريكي علاقة معقّدة امتدت لعقود، بدأت بتفاهمات غير معلنة، وتطورت إلى تعاون مباشر في محطات تاريخية مفصلية، قبل أن تصل إلى مرحلة فقدان الجدوى السياسية.
مأزق وجودي: تصنيف الإخوان إرهابياً في كندا يهدد بكشف أدق أسرار الجماعة وتمويلها
وقد انطلق القرار بمرسوم رئاسي، ثم تحوّل إلى موجة داخل الولايات المتحدة، حيث تبنّت ولايات مثل تكساس وفلوريدا التصنيف ذاته، ما فتح الباب أمام تداعيات قانونية وسياسية أوسع امتد صداها إلى عواصم غربية وإقليمية.
صدمة داخل التنظيم الدولي
داخل أروقة التنظيم الدولي، أحدث القرار حالة صدمة وارتباك غير مسبوقة. ونقلت القناة معلومات عن عقد اجتماعات طارئة في إسطنبول ناقشت كيفية التعامل مع ما وصفته القيادات بـ«الانقلاب الأمريكي المفاجئ».
استراتيجية “التنظيم الخفي”.. كيف خطط الإخوان المسلمين في لاهور لإدارة المشهد الإقليمي بأسماء بديلة؟
وتحدثت تسريبات عن نبرة عتاب حادة تجاه واشنطن، عبّر خلالها بعض القياديين عن دهشتهم من تخلي الولايات المتحدة عن الجماعة بعد سنوات من التعاون السياسي والأمني غير المعلن.
في تركيا: رصد “لبعة المصالح” 3 اجتماعات رئيسية في فندق خمس نجوم بإسطنبول (بمناطق بيرم باشا والفاتح) لجبهة صلاح عبد الحق، واجتماعاً آخر لجبهة محمود حسين في جمعية “رابعة”
إسطنبول ولاهور: خرائط تحرك متوازية
وفي سياق التحركات التنظيمية، رصد “لعبة المصالح”اجتماعات مكثفة أعقبت القرار؛ إذ عقدت جبهة صلاح عبد الحق عدة لقاءات في منطقتي بيرم باشا والفاتح بإسطنبول، بينما عقدت جبهة محمود حسين اجتماعاً منفصلاً داخل جمعية «رابعة».
مؤتمر لاهور: إعادة ترتيب البيت الداخلي
وعلى المستوى الإقليمي، شاركت قيادات إخوانية في مؤتمرات خارج تركيا، أبرزها المؤتمر العام للجماعة الإسلامية في مدينة لاهور باكستان، في محاولة لإعادة تنسيق الصفوف وبحث بدائل سياسية جديدة.
أكدت تقارير إعلامية مشاركة وفود من عشرات الدول في فعالية دولية بمدينة لاهور الباكستانية، بالتوازي مع حراك تنظيمي وإعلامي هدفه توحيد الخطاب وتخفيف البصمة العلنية للاسم التنظيمي.
ووفق مصادر مرتبطة بالجماعة الإسلامية، استضافت لاهور مؤتمراً حضره ممثلون من أكثر من 40 دولة، وبرزت فيه أسماء قيادية من الإخوان، من بينهم محمود الإبياري وحلمي الجزار ومحيي الدين الزايط، إلى جانب جلسات مغلقة ذات طابع تنظيمي.
مخرجات لاهور: هيكلة وإنكار تنظيمي
ونقلت مصادر أن اجتماع لاهور أفضى إلى مخرجات تنظيمية وهيكلية، شملت تثبيت القيادة التنفيذية، وتحديث آليات العمل الدولي، وتوزيع ملفات الفكر والتنظيم والإعلام.
دي سانتيس يضع الإخوان المسلمين و”كير” على قائمة الإرهاب في فلوريدا “صور”
كما أوصت المخرجات بتخفيف الظهور العلني للتنظيم الدولي، واعتماد مسميات مؤسسية بديلة، مع التركيز على ملفات إقليمية حساسة أبرزها السودان وتونس ومصر، في إطار يجمع الضغط الإعلامي وإعادة التموضع السياسي.
حراك دولي متزامن من تركيا إلى كوالالمبور
وبعد لاهور، عُقد اجتماع في تركيا نُسب إلى «مجلس مسلمي أوروبا»، تلاه لقاء فكري في كوالالمبور حضره رموز سياسية وفكرية، في سلسلة تحركات متقاربة زمنياً تعكس تنسيقاً عابراً للحدود ومحاولات توسيع دوائر الدعم.
واشنطن تُعلن الحرب على الإخوان المسلمين : هل يتحول الحصار الأمريكي بعد قرار ترامب إلى فتنة داخلية؟
تداعيات دولية تتجاوز واشنطن
لم تقتصر التداعيات على الولايات المتحدة، بل اتخذت طابعاً دولياً متسارعاً. ففي الكويت، جرى سحب الجنسية من الداعية طارق السويدان، الذي وُصف كأحد أبرز الوجوه الإخوانية المؤثرة عالمياً.
وفي بريطانيا، أعلنت الحكومة بدء تقييم رسمي لنشاط الجماعة على أراضيها، وسط تساؤلات حول إمكانية الانتقال إلى إجراءات أكثر تشدداً، في مؤشر على تحول غربي أوسع في مقاربة ملف الإخوان.
جذور العلاقة مع الغرب: من الحرب الباردة إلى أفغانستان
ويعيد التقرير جذور العلاقة بين الجماعة والغرب إلى بدايات القرن العشرين، مروراً بمرحلة الحرب الباردة حين استُخدمت الجماعة في مواجهة المد الشيوعي والقومي، ثم إلى مرحلة الحرب الأفغانية ضد الاتحاد السوفيتي، حيث جرى توظيف الجماعة في سياق الصراع الدولي الأكبر آنذاك.
من هو طارق السويدان؟ ولماذا سحب الكويت الجنسية وماعلاقة الإخوان المسلمين وسوريا؟
مرحلة الإسلام السياسي : العصر الذهبي
بعد أحداث 11 سبتمبر، دخلت العلاقة مرحلة جديدة تمثلت في مشروع «الإسلام المعتدل»، حيث راهنت إدارات أمريكية متعاقبة، خاصة في عهد باراك أوباما، على دمج الإسلاميين في الحكم باعتبارهم أداة لاحتواء التطرف.
ويصف التقرير تلك المرحلة بـ«العصر الذهبي»، إذ شهدت دعماً سياسياً وتدريباً لكوادر شبابية وقنوات تواصل نشطة مع واشنطن.
ترامب يعيد تعريف المصالح
غير أن وصول دونالد ترامب أعاد صياغة المقاربة الأمريكية. فبحسب تحليل «لعبة المصالح»، خلص ترامب إلى أن جماعة الإخوان لم تعد قادرة على تقديم ما يخدم المصالح الأمريكية، بل تحولت إلى عبء سياسي وأمني، في ظل تشابكات إقليمية معقّدة وظهور فاعلين جدد أكثر انسجاماً مع الرؤية البراغماتية لواشنطن.
نهاية مرحلة وبداية عزلة
ويخلص التقرير إلى أن تصنيف الإخوان منظمة إرهابية يمثل نهاية مرحلة تاريخية كاملة، ويؤكد أن العلاقات الدولية لا تُبنى على الولاء أو الأيديولوجيا، بل على المصالح المتغيرة. فالجماعة، التي أدت أدواراً وظيفية في مراحل سابقة، وجدت نفسها فجأة خارج المعادلة، في مشهد يجسد قسوة لعبة المصالح وتحولاتها المستمرة.










