مشروع “شروق الشمس” الأميركي يُعلن كخطة لإعمار غزة، لكن هل هو فعلاً للتنمية أم مجرد حيلة لإخفاء استمرار الاحتلال والسيطرة على حياة الفلسطينيين؟ بين المدينة التكنولوجية على الورق والمعاناة اليومية على الأرض، يتكشف واقع جديد من الصراع والمعاناة الإنسانية.
غزة – 21 ديسمبر 2025
أثار المشروع الأميركي الجديد لإعادة إعمار قطاع غزة، المعروف باسم “شروق الشمس”، جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والأكاديمية والإعلامية، بعد الإعلان عنه كخطة طموحة لتحويل القطاع إلى مدينة تكنولوجية ذكية، بينما يعاني أكثر من مليوني فلسطيني من أزمة إنسانية حادة، ونقص حاد في الغذاء، المياه النظيفة، الأدوية والخدمات الأساسية، وسط استمرار القتل والخروقات اليومية من قبل الاحتلال الإسرائيلي.
المشروع يمتد لعشر سنوات على الأقل، بتكلفة إجمالية تصل إلى نحو 112 مليار دولار، ومرتبط بأربع مراحل رئيسية تبدأ من رفح مروراً بخانيونس وصولاً إلى مدينة غزة، التي يراد لها أن تتحول إلى نموذج يشبه “الريفيرا” المتوسطية. وتخطط الولايات المتحدة لتمويل نحو 20% من المشروع، فيما يُفترض أن تتحمل دول إقليمية، بينها قطر ومصر وتركيا ودول خليجية، نحو 80–85 مليار دولار، وهو ما يثير تساؤلات حول مدى استعداد هذه الدول لتحمل هذا الحجم الضخم من التمويل.
الخبراء والتحليل السياسي
الدكتور محمد الشرقاوي، أستاذ تسوية النزاعات الدولية، اعتبر المشروع امتداداً لفكرة “السلام الاقتصادي” التي روج لها جاريد كوشنر، موضحاً أن الهدف الأساسي هو التنمية الاقتصادية دون معالجة الاحتلال أو حقوق الفلسطينيين. وأضاف أن الحديث عن رفاهية فائقة ومستوى معيشي هائل، في ظل نقص المنازل والمياه والأدوية، يكشف فجوة هائلة بين الخيال السياسي والواقع الإنساني على الأرض.
من جانبه، اعتبر الدكتور هاني المصري، مدير المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية (مسارات)، أن المشروع يمثل شكلاً جديداً من “الاستعمار والهيمنة”، إذ يركز على السيطرة على البنية الرقمية والأمنية والاقتصادية للقطاع، بينما يتم تجاهل السيادة الفلسطينية وحق تقرير المصير. وأوضح أن أي حديث عن مستقبل غزة دون إنهاء الاحتلال ونزع سلاح المقاومة يهدف لتجاوز جذور الصراع، مع تحميل السكان أعباء ديون طويلة الأمد.


واقع غزة مقابل أوهام الإعمار
الواقع على الأرض يختلف تماماً عن الصور المستقبلية للمشروع، حيث يعيش الفلسطينيون في خيام مهترئة، ويواجهون برداً قارصاً، ونقصاً حاداً في الغذاء والدواء، إضافة إلى سقوط مئات الضحايا خلال الأشهر الماضية نتيجة الاعتداءات المستمرة. ويثير المشروع مخاوف من فرض “حلول خارجية” دون مشاركة السكان المحليين، الأمر الذي يخدم الاحتلال الإسرائيلي ويكرس سيطرته على القطاع، بما في ذلك فرض مناطق عازلة وربط أي تقدم في الإعمار بنزع سلاح المقاومة.

المخاطر المالية والسياسية
الخبراء يشيرون إلى أن المشروع يثير العديد من التساؤلات حول التمويل الفعلي ومخاطر تحميل السكان الفلسطينيين أعباء ديون طويلة الأمد. كما أن افتراض تعاون الدول الإقليمية الكبرى قد يكون بعيداً عن الواقع، خصوصاً في ظل تباين المصالح السياسية والاقتصادية، وعدم وضوح دور واشنطن الفعلي في تمويل المشروع.
خاتمة
مشروع “شروق الشمس” يبدو حلماً اقتصادياً على الورق، لكنه بعيد عن الواقع على الأرض، ويطرح أسئلة حقيقية حول مصير الفلسطينيين، السيادة الوطنية، والتمويل الفعلي. وبين الطموحات الأميركية وأحلام الإعمار الهوليودية، يبقى مستقبل غزة معلقاً بين أوهام التنمية ودماء المدنيين، في ظل استمرار الاحتلال والمعاناة اليومية لسكان القطاع.










