لم تكن تصريحات نائب وزير الخارجية اليمني الأسبق، مصطفى نعمان، عبر شاشة “العربية” السعودية، مجرد زلة لسان أو “شطحة” سياسية عابرة، بل جاءت لترسم ملامح مرحلة جديدة من “البراغماتية المتوحشة” في الملف اليمني، حيث تبدو الرياض مستعدة لإعادة تدوير أعداء الأمس لمواجهة طموحات حلفاء اليوم.
الرسالة من “النافذة” السعودية
اختيار قناة “العربية” كمنصة لهذا الطرح يحمل دلالة “الضوء الأخضر” بوضوح. فالسعودية، التي تخوض صراع نفوذ صامت تارة ومعلن تارة أخرى مع الإمارات في حضرموت والمهرة والموانئ الاستراتيجية، بدأت تستشعر خطر “الانفصال الجنوبي” على أمنها القومي وتماسك حدودها الجنوبية.
عضو الرئاسي ينضم إلى الانتقالي الجنوبي خطة على انفصال اليمن
يرى مراقبون أن السعودية باتت تميل لسيناريو “اليمن الموحد” (حتى وإن كان الحوثي شريكاً فيه) كضمانة لمنع تمدد النفوذ الإماراتي عبر المجلس الانتقالي.
تصريحات نعمان هنا ليست إلا “بالون اختبار” لقياس ردة فعل الشارع الجنوبي والمجتمع الدولي تجاه فكرة: “الوحدة مع الحوثي أهون من الانفصال مع الإمارات”.
اليمن… الانتقالي الجنوبي يتوعد بانفصال واستعادة دولة الجنوب
ردود الفعل:
المجلس الانتقالي الجنوبي:
وصف تصريحات نعمان بأنها “فضيحة” و”ابتزاز”، معتبرين أنها تهدد بالتحالف مع “العدو الحوثي” ضد الجنوب. وأوضح المتحدث الرسمي، أنور التميمي، أن هذه التصريحات تمثل تهديدًا صريحًا للأمن القومي العربي، وتغاضٍ عن أهداف التحالف العربي في اليمن، المتمثل في إنهاء الانقلاب الحوثي وإعادة الشرعية.
كما اعتبر البيان أن ما طرحه النعمان يعكس اصطفافًا محتملًا مع إيران ضد الجنوب، مؤكدًا على صوابية إجراءات المجلس الانتقالي لتأمين الحدود والحفاظ على الأمن.
تقرير أميركي: حرب نفوذ بين السعودية والإمارات على اليمن والطاقة
الناشطون الجنوبيون:
رأى بعضهم مثل أحمد عمر بن فريد وياسر اليافعي، أن تصريحات نعمان دليل على استعداد بعض قيادات “الشرعية” للتعاون مع الحوثي ضد الجنوب، فيما احتفى الإعلام الإيراني بالتصريح واعتبره “انتصارًا معنويًا” للحوثيين.
المحللون الموالون للشرعية:
دافع بعض المحللين عن تصريحات نعمان، معتبرين أنها مجرد تحليل سياسي يحذر من مخاطر التقسيم، ولا تشكل إعلانًا فعليًا عن تحالف مع الحوثيين.
وأكدوا أن الهدف من التصريح هو تنبيه المجتمع الدولي والمحلي لاحتمالية تزايد التقارب بين جماعات إخوانية والحوثيين إذا استمر الانقسام.
تحالف “الضد” الحتمي
المفارقة الصادمة تكمن في التقاء مصالح “الوحدويين” في الشرعية (التي تآكلت سلطتها) مع “الحوثيين” (الذين يبحثون عن شرعية دولية).
هذا التقارب، الذي وصفه مصطفى نعمان بـ “الاضطراري”، يعكس رغبة سعودية في خلق كتلة “شمالية-شمالية” قوية تستطيع كبح جماح المجلس الانتقالي الجنوبي.
هذا السيناريو يرتكز على ثلاث ركائز استراتيجية:
الابتزاز السياسي: الضغط على الإمارات والمجلس الانتقالي للقبول بتسويات سعودية تحت تهديد “البعبع الحوثي”.
تأمين الحدود: الرياض تفضل التعامل مع “سلطة مركزية” في صنعاء (وإن كانت حوثية) تضمن استقرار الحدود، على التعامل مع دولة جنوبية “متمردة” أو موالية لمنافس إقليمي.
إخراج التحالف: توفير مخرج سياسي للسعودية من الحرب عبر اتفاق شامل يدمج الحوثيين في الدولة، مقابل بقاء اليمن موحداً.
رد الفعل الجنوبي: من “عاصفة الحزم” إلى “عاصفة الرفض”
لم يتأخر الرد الجنوبي، حيث جاء تصريح المتحدث باسم المجلس الانتقالي، أنور التميمي، ليضع النقاط على الحروف. الانتقالي يدرك أن اللعب بورقة “الوحدة الحوثية” هو محاولة لشرعنة الانقلاب نكاية بالجنوبيين.
هذا الاصطدام يعري “مجلس القيادة الرئاسي”، الذي بات يضم أضداداً لا يجمعهم سوى العداء المشترك للحوثي (ظاهرياً)، بينما في الباطن، تدفع الرياض نحو تسوية تجعل من “الوحدة” القاسم المشترك الذي يجمعها مع الحوثي ضد طموحات عدن.
السيناريوهات المستقبلية:
تحالف محتمل بين “الوحدويين” والحوثيين
تحالف بين جماعة الحوثي والحكومة الشرعية للحفاظ على وحدة اليمن، بدعم سعودي محتمل على حساب المجلس الانتقالي الجنوبي.
والتحالف يشكل مخاطر كبيرة على الأمن في الجنوب ويهدد بانهاء التحالف العربي ويفجر صراع سعودي إماراتي في اليمن.
تصعيد بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي:
استمرار الصراع على النفوذ بين السعودية والإمارات في اليمن مع حتمالية انفصال الجنوب أو توتر أمني مستمر.
الحفاظ على التحالف العربي الحالي:
استمرار دعم السعودية والإمارات للمجلس الانتقالي والحكومة الشرعية ضد الحوثيين.
احتمالية بقاء الانقسام قائمًا ولكن تحت إدارة أمنية صارمة.
اليمن كساحة لتصفية الحسابات الإقليمية
إن التلويح بالتحالف مع الحوثي هو ذروة “الواقعية السياسية” التي تمارسها السعودية حالياً. هي رسالة مفادها أن الرياض لن تسمح بتقسيم اليمن إذا كان ذلك سيعني خروج الموانئ والممرات المائية من يدها لصالح النفوذ الإماراتي.
في المحصلة، يبدو أن اليمن يتجه نحو معادلة “الكل ضد الكل”، حيث لم تعد الخطوط الحمراء تتعلق بالدين أو الأيديولوجيا، بل بـ “الجغرافيا والنفوذ”. فهل ينجح “وحدويو الشرعية” في الارتماء بأحضان الحوثي ببركة سعودية؟ أم أن الجنوب سيفرض واقع “التمكين على الأرض” الذي تحدث عنه التميمي، ليقطع الطريق على “زواج المصلحة” بين صنعاء والرياض؟










