شكل رحيل الفريق أول محمد علي أحمد الحداد، رئيس أركان القوات المسلحة التابعة لحكومة الوحدة الوطنية في طرابلس، إثر تحطم طائرته الخاصة قرب أنقرة في 23 ديسمبر 2025، ضربة قاسية للمشهد العسكري والسياسي في غرب ليبيا، وخسارة استراتيجية لجهود توحيد المؤسسة العسكرية الليبية المنقسمة منذ عام 2014.
ولا تقتصر أهمية الحداد على موقعه العسكري الرفيع، بل تتجاوز ذلك إلى كونه أحد أبرز مهندسي التوازنات الدقيقة داخل المعسكر الغربي، وواجهة طرابلس الأساسية في مسار التفاوض العسكري مع الشرق، برعاية الأمم المتحدة والقوى الدولية الفاعلة.
من هو الفريق أول محمد الحداد؟ “مهندس التوازنات” في طرابلس
الحداد ودوره المحوري في مشروع التوحيد
منذ تعيينه رئيسا للأركان في عام 2021، لعب الحداد دورا مركزيا في جهود توحيد الجيش الليبي، ممثلا للقوات الغربية في الحوارات الدولية، لا سيما ضمن إطار اللجنة العسكرية المشتركة (5+5). وتميز حضوره بقدرته على الجمع بين الانضباط العسكري والمرونة السياسية.
شارك الحداد في لقاءات متعددة مع نظيره في الشرق الفريق عبد الرزاق الناظوري، شملت اجتماعات في باريس والقاهرة، وناقشت ملفات شائكة مثل دمج القيادات، توحيد الهياكل، وتقليص الازدواجية في الرتب العسكرية. كما حافظ على تنسيق وثيق مع المجلس الرئاسي، خصوصا مع رئيسه محمد المنفي، حول بناء جيش وطني مهني بعيد عن الولاءات المناطقية.
تضاريس وعرة وضباب كثيف.. فرق الإنقاذ تصارع الزمن للوصول لحطام طائرة الفريق الحداد في أنقرة
ورغم محدودية سلطته الفعلية بفعل نفوذ التشكيلات المسلحة في الغرب، ظل الحداد “حلقة الوصل” الأهم التي أبقت مسار التوحيد حيا، ولو بالحد الأدنى.
التأثيرات السلبية المباشرة لغيابه
يترك غياب الحداد فراغا قياديا خطيرا في المعسكر الغربي، في توقيت حساس يشهد هشاشة أمنية واضحة في طرابلس. فالصراع على خلافته قد يعيد خلط الأوراق بين المجموعات المسلحة، ويهدد التوازنات التي ضمنت استقرارا نسبيا للعاصمة خلال الأشهر الماضية.
خاص: حادث أم عمل تخريبي؟ القصة الكاملة لتحطم طائرة رئيس الأركان الليبي محمد الحداد في أنقرة “فيديو”
كما أن غياب الحداد يعقد مسار التفاوض مع الشرق، إذ كان يتمتع بقبول نسبي إقليميا ودوليا، مقارنة بقيادات أخرى تعد أكثر ارتباطا بالفصائل أو القوى الخارجية. وقد يمنح هذا التطور ميزة تفاوضية لمعسكر الشرق، الذي يمتلك هيكلا عسكريا أكثر تماسكا وتنظيما.
إقليميا، يفتح الفراغ الباب أمام محاولات لتعزيز النفوذ أو فرض وقائع جديدة على الأرض، في ظل تنافس تركي–مصري–إماراتي مستمر حول الملف الليبي.
طائرة الحداد تسقط فوق أنقرة.. هل تحترق أسرار الميليشيات الليبية في سماء تركيا؟
انعكاسات على العلاقات العسكرية مع تركيا
جاء الحادث عقب زيارة رسمية إلى أنقرة ولقاءات عسكرية رفيعة، ما يضع الشراكة الدفاعية بين طرابلس وتركيا أمام اختبار صعب. فقد كان الحداد المشرف المباشر على برامج التدريب وإعادة الهيكلة التي تدعمها أنقرة، ورحيله قد يؤدي إلى تباطؤ تنفيذ الاتفاقيات إلى حين إعادة ترتيب القيادة العسكرية.
وفي الوقت ذاته، قد يدفع هذا التطور نحو البحث عن قيادة أقل ارتباطا بمحور إقليمي بعينه، بما قد يسهم – نظريا – في جعل مسار التوحيد أكثر قبولا لدى الأطراف الأخرى.
حزب العمال الكردستانى “PKK ” يسحب جميع مقاتليه من تركيا بعد أكثر من 40 عامًا من النزاع المسلح
مستقبل اللجنة العسكرية المشتركة (5+5)
كان الحداد المحرك الرئيسي للملفات الحساسة داخل اللجنة العسكرية، وعلى رأسها إخراج القوات الأجنبية والمرتزقة، وتفكيك ودمج المجموعات المسلحة، إجراءات بناء الثقة العسكرية
وبرحيله، يخشى أن تعود اللجنة إلى حالة “الجمود التقني”، مع تراجع القدرة على اتخاذ قرارات ميدانية حاسمة، في ظل غياب شخصية تمتلك ثقلا عسكريا وسياسيا مماثلا.
اختبار البديل والمرحلة المقبلة
يمثل غياب الفريق أول محمد الحداد مفترق طرق حقيقيا لمسار توحيد الجيش الليبي. فعلى المدى القصير، من المرجح أن يؤدي هذا الغياب إلى إبطاء العملية وزيادة الهشاشة الأمنية في الغرب.
أما على المدى المتوسط، فإن حسن إدارة الفراغ، عبر تعيين شخصية توافقية بسرعة، قد يحول الخسارة إلى فرصة لإعادة ضبط المسار.
التحدي الأكبر أمام حكومة الوحدة الوطنية والمجلس الرئاسي لا يكمن في اختيار قائد عسكري فحسب، بل في إيجاد “سياسي بزي عسكري” قادر على استكمال ما بدأه الحداد، وحماية مسار التوحيد من الانهيار.
إن رحيل الحداد في هذا التوقيت الدقيق لا يهدد فقط توازنات طرابلس، بل يضع مشروع الدولة الليبية الموحدة أمام اختبار صعب: إما البناء على إرثه، أو العودة إلى مربع الانقسام الذي دفع الليبيون ثمنه لسنوات طويلة.










