مقتل رئيس أركان الجيش الليبي محمد الحداد في تحطم طائرة خاصة فوق تركيا بات أحدث فصل دراماتيكي في مسار العلاقة بين أنقرة وطرابلس، وسط أسئلة حادة حول ملابسات الحادث وتداعياته على المشهدين العسكري والسياسي في ليبيا.
الحادث الذي وقع عقب زيارة رسمية قصيرة قادت الحداد إلى العاصمة التركية أنقرة فتح باب الشكوك والاتهامات لدى خصوم حكومة الدبيبة، الذين يرون في ما جرى أكثر من مجرد “حادث عرضي” في السماء.
تفاصيل الحادث وملابساته
أعلنت السلطات التركية انقطاع الاتصال بطائرة رجال أعمال من طراز فالكون 50 كانت تقل رئيس أركان الجيش الليبي محمد علي أحمد الحداد وأربعة أشخاص آخرين، بعد إقلاعها من مطار أنقرة إيسنبوغا باتجاه طرابلس مساء الثلاثاء.
ووفق ما نشره وزير الداخلية التركي علي يرلي قايا، فقد أقلعت الطائرة في الساعة 20:10 بالتوقيت المحلي، قبل أن ينقطع الاتصال بها بعد نحو 42 دقيقة فوق منطقة حيمانه جنوب أنقرة، عقب طلب طاقمها إذن هبوط اضطراري.
مصادر تركية تحدثت عن فقدان الإشارة الرادارية وتحويل مسار الرحلات بعيدًا عن أجواء العاصمة، بينما أشارت قنوات إخبارية إلى سماع دوي انفجار في نطاق المنطقة التي يُعتقد أن الطائرة تحطمت فيها.
لاحقًا، أعلنت فرق البحث والإنقاذ العثور على حطام الطائرة في منطقة جبلية وعرة قرب حيمانه، مع تأكيد نبأ وفاة جميع من كانوا على متنها، وبينهم الحداد.
ردود الفعل الليبية والتركية
رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة نعَى رئيس الأركان ومرافقيه، مؤكدًا أن الوفد كان في مهمة رسمية بتركيا وشدد على أن الحداد “رحل وهو يؤدي واجبه العسكري”، على حد وصفه
كما أعلن الدبيبة تشكيل خلية أزمة للتواصل مع الجانب التركي، ومتابعة التحقيقات في أسباب سقوط الطائرة وملابسات ما سبقها من تحركات.
في أنقرة، أوضح وزير الداخلية أن تحقيقًا فنيًا وقضائيًا فتح لتحديد ما إذا كان الحادث ناتجًا عن عطل فني مفاجئ أم ظروف جوية أم عوامل أخرى، مع تأكيد استمرار عمليات التمشيط في محيط موقع السقوط.
ولم تُعلن السلطات حتى الآن عن نتائج نهائية أو فرضية رسمية حاسمة بشأن سبب التحطم، ما أبقى الباب مفتوحًا أمام التأويلات السياسية والإعلامية.
الخلفية السياسية والعسكرية للرحلة
الحداد كان قد أجرى في يوم الحادث سلسلة لقاءات في أنقرة شملت وزير الدفاع التركي ورئيس الأركان التركي، ضمن اجتماعات مغلقة تتعلق بالتعاون العسكري، بحسب ما نقلته وسائل إعلام عربية وتركية.
وتأتي هذه الزيارة في سياق شراكة أمنية ممتدة بين حكومة الدبيبة وأنقرة، شملت اتفاقيات تدريب وتسليح ودعم لوجستي للقوات الموالية للحكومة في طرابلس خلال السنوات الماضية.
وجود الحداد على متن طائرة خاصة صغيرة، مملوكة لشركة طيران مسجلة خارج ليبيا وتحمل رقمًا تسلسليًا أجنبياً (9H-DFJ)، أثار تساؤلات حول طبيعة التنقلات العسكرية الليبية، وأسباب عدم استخدام طائرة عسكرية أو رسمية ليبية في رحلة بهذا المستوى من الحساسية.
بعض المراقبين رأوا أن طريقة إدارة الرحلة، من حيث الطائرة ومسارها وزمن إقلاعها ليلًا، تعكس محاولة تقليل الأضواء الإعلامية على تحركات الوفد العسكري.
أسئلة مفتوحة واستغلال سياسي محتملرغم الطابع الفني المعلن للتحقيق، استغل خصوم حكومة الدبيبة في الداخل الليبي الحادث لطرح سرديات متباينة، بين من يلمّح إلى تقصير أمني أو فني تركي، ومن يذهب أبعد نحو الحديث عن “تصفية” سياسية مرتبطة بصراع مراكز القوى داخل المؤسسة العسكرية وحولها.
ورجح محللون أن تتحول وفاة الحداد إلى ورقة في النزاع بين أقطاب الغرب الليبي، خصوصًا مع اقتراب استحقاقات سياسية متعثرة ومحاولات إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية.
كما يُتوقع أن يثير غياب الحداد فراغًا في قيادة القوات الموالية لحكومة الدبيبة، في ظل وجود تيارات متنافسة داخل طرابلس ومصراتة، قد تسعى كل منها لدفع شخصية قريبة منها إلى موقع رئاسة الأركان خلال المرحلة المقبلة.
وعلى المستوى الإقليمي، قد تضع الحادثة تركيا تحت مزيد من الأسئلة من جانب خصومها في الملف الليبي، ممن يتهمونها أصلًا بإدارة الملف العسكري في طرابلس من وراء الستار.
حتى تتضح نتائج التحقيقات الفنية، يبقى تحطم طائرة محمد الحداد حدثًا مفصليًا يخلط الأوراق في ليبيا، ويزيد الغموض في علاقة السلاح بالسياسة داخل بلد أنهكته الحروب والتدخلات الخارجية.










