واشنطن تبيع وتايبيه تدفع وبكين تهدد: من يحاسب تجار السلاح على حافة مضيق تايوان؟
أعلنت الصين رفضًا حادًا لصفقة الأسلحة الأمريكية الجديدة لتايوان، معتبرة أنها «تنتهك مبدأ الصين الواحدة»، و«تقوض بشكل خطير سيادة الصين وأمنها» و«ترسل إشارة خاطئة لقوى استقلال تايوان» وفق بيانات رسمية من وزارتي الخارجية والدفاع في بكين.
الصفقة، التي تصل قيمتها إلى نحو 11–11.1 مليار دولار وتشمل منظومات صاروخية بعيدة المدى ومدفعية متطورة وطائرات مُسيّرة، تُعد الأكبر من نوعها في تاريخ مبيعات الأسلحة الأمريكية لتايوان، ما جعلها شرارة جديدة لتصعيد سياسي وعسكري في مضيق تايوان.
ملامح صفقة الأسلحة الأمريكية لتايوان
الصفقة الأمريكية الأخيرة تتضمن حزمة من ثمانية برامج تسليح رئيسية، أبرزها أنظمة الصواريخ المدفعية بعيدة المدى HIMARS، وصواريخ ATACMS، ومدافع ذاتية الحركة من طراز M109A7، بالإضافة إلى صواريخ مضادة للدبابات من نوع جافلين وطائرات مُسيّرة هجومية من طراز Altius وأنظمة دعم ولوجستيات وقطع غيار.
هذه المنظومات تستهدف تعزيز ما تسميه واشنطن «قدرات الردع غير المتناظرة» لدى تايوان، أي تمكينها من ضرب أهداف بحرية وبرية صينية محتملة وعرقلة أي محاولة إنزال أو غزو واسع للجزيرة.
البنتاغون أكد أن الصفقة «تخدم المصالح القومية والأمنية للولايات المتحدة» وتساعد تايوان على تحديث قواتها المسلحة والحفاظ على «قدرة دفاعية كافية» في مواجهة الضغوط العسكرية الصينية المتزايدة.
من جهتها، شكرت الرئاسة ووزارة الدفاع في تايوان واشنطن، معتبرة أن هذه الأسلحة تجعل «غزو الصين أكثر صعوبة» وتعزز قدرة الجزيرة على الصمود في أي صراع محتمل في المضيق.
الموقف الصيني: إدانة شديدة وتهديد بإجراءات
على الجانب الآخر، وصفت الصين الصفقة بأنها «انتهاك جسيم لمبدأ الصين الواحدة والبيانات المشتركة الصينية–الأمريكية الثلاثة» و«تدخل سافر في الشؤون الداخلية للصين»، محذرة من «عواقب خطيرة» إذا استمرت الولايات المتحدة في هذا المسار.
المتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية تحدث عن «إضرار خطير بالثقة الاستراتيجية بين الصين والولايات المتحدة»، مؤكداً أن جيش التحرير الشعبي «سيعزز جاهزيته القتالية ويتخذ إجراءات حازمة لحماية السيادة ووحدة الأراضي الصينية وإحباط نزعات استقلال تايوان والتدخل الخارجي».
وزارة الخارجية الصينية بدورها استدعت ممثلين أمريكيين وقدمت «احتجاجًا شديدًا» مطالبة واشنطن بـ«التوقف الفوري عن تسليح تايوان» و«الوفاء بالتزاماتها بعدم دعم استقلال الجزيرة».
الخطاب الصيني ركز على أن «قضية تايوان هي جوهر المصالح الجوهرية للصين وأول خط أحمر لا يُسمح بتجاوزه في العلاقات الصينية–الأمريكية»، وأن أي محاولة لجعل تايوان «بارودًا» في مواجهة مع بكين «محكوم عليها بالفشل».
أبعاد التصعيد: تايوان بين المطرقة والسندان
المحللون يرون أن حجم الصفقة وتوقيتها يرسلان رسالة مزدوجة: من واشنطن إلى بكين بأن دعم تايوان عسكريًا مستمر رغم محاولات تهدئة التوتر، ومن واشنطن إلى تايبيه بأن الاعتماد على «استراتيجية الردع» هو الطريق المفضل لمواجهة الضغوط الصينية بدلاً من تقديم ضمانات دفاعية مباشرة.
في المقابل، ترى بكين أن واشنطن لا تدعم فقط القدرات الدفاعية، بل «تشجع قوى الاستقلال» وتزيد شهية الحكومة التايوانية الحالية لاتخاذ مواقف أكثر تشددًا، ما يُضعف فرص الحوار السياسي ويقرّب المنطقة من حافة نزاع مسلح.
تايوان من جهتها تروّج للصفقة باعتبارها «استثمارًا في السلام»، على أساس أن رفع كلفة أي هجوم صيني محتمل قد يدفع بكين إلى التراجع عن خيار القوة أو تأجيله.
لكن منتقدين في المنطقة وخارجها يحذّرون من أن تراكم الأسلحة الهجومية والدفاعية في جزيرة محاطة بواحدة من أكبر القوى العسكرية في العالم، ومع وجود أساطيل أمريكية ويابانية قريبة، يحول المضيق إلى أحد أخطر بؤر الاشتعال على الكوكب.
ما بعد إعلان المعارضة: سيناريوهات الساحة المقبلة
إعلان الصين معارضتها الشديدة للصفقة لن يبقى –وفق المؤشرات– في إطار البيانات الدبلوماسية فقط، إذ تتحدث تحليلات عدة عن احتمال ردود عملية، مثل تكثيف المناورات العسكرية حول تايوان، أو فرض عقوبات على شركات السلاح الأمريكية، أو خطوات رمزية في ملفات أخرى بالعلاقة مع واشنطن.
مثل هذه الردود سبق أن استُخدمت في جولات سابقة من التوتر، لكنها مع حجم صفقة اليوم قد تأتي أكثر حدة، في سياق صراع أوسع على شكل النظام الدولي وموازين القوة في آسيا والمحيط الهادئ.
في المقابل، تراهن الإدارة الأمريكية على أن دعم تايوان عسكريًا يمكن أن يردع الصين من أي مغامرة قسرية ويجبرها على قبول نوع من «الوضع القائم القلق» بدلاً من تغيير الواقع بالقوة.
وبين خطاب صيني يتحدث عن «وحدة ترابية لا يمكن التراجع عنها» وخطاب أمريكي يؤكد «التزامًا راسخًا بأمن تايوان»، تتحول صفقة السلاح الأخيرة إلى أكثر من مجرد عقد تجاري؛ تصبح اختبارًا حقيقيًا لمدى قدرة الأطراف الثلاثة على تجنب أن يتحول مضيق تايوان إلى عنوان الحرب الكبرى التي يحذر منها الجميع في العلن، بينما تستعد لها الجيوش في الكواليس.










