الطائرات لا تنام… ومدارج ليبيا تتحول إلى بوابات تسليح سرية نحو السودان
في الوقت الذي تحاول فيه ليبيا لملمة جراحها بعد أكثر من عقد من الصراع، يبدو أن البلاد تُستَخدَم مجددًا كساحة لحروب الآخرين.
فوفق معلومات موثوقة وتقارير متقاطعة من مصادر أمنية وإعلامية، يشهد الجنوب الليبي نشاطًا جويًا غير مسبوق يتمثل في جسر شحن إماراتي ضخم نُفِّذ عبر أكثر من 105 رحلة طيران خلال الأشهر القليلة الماضية، ناقلاً معدات عسكرية ومركبات وآليات ثقيلة من قواعد في الشرق الليبي باتجاه السودان، مرورًا بما يُعرف بـ”المثلث الحدودي الغامض” الذي يلتقي فيه الجنوب الليبي مع شمال تشاد ودارفور السودانية.
الرحلات، التي جرى تتبع جزء منها عبر بيانات رادارية مفتوحة المصدر، تنطلق غالبًا من قواعد جوية خاضعة لقوات اللواء خليفة حفتر، أبرزها قاعدة الجفرة وقاعدة بنينا، قبل أن تتجه نحو مناطق غير خاضعة بالكامل لرقابة الحكومة السودانية في إقليم دارفور، حيث تدور معارك مفتوحة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
يُعتقد أن هذا الجسر الجوي يمثل حلقة جديدة في صراع النفوذ الإقليمي بين الإمارات وتركيا وقطر ومصر، إذ يرى محللون أن أبوظبي تعمل على مد نفوذها من السواحل الليبية حتى العمق الإفريقي عبر دعم حلفاء محليين يضمنون لها السيطرة على معابر استراتيجية وطرق إمداد نفطية وحدودية بالغة الأهمية
.ليبيا بين نهب الموارد وتصدير الأزماتما يجري اليوم في أجواء ليبيا يعكس واقعًا أكثر تعقيدًا من مجرد “نقل معدات”، فالتقارير تتحدث عن صفقات لتبادل الأسلحة مقابل الذهب والنفط، وفق ترتيبات تتم بعيدًا عن أعين المؤسسات الرسمية الليبية.
جنوب البلاد، الذي يعاني فراغًا أمنيًا هائلًا، تحول إلى ممر عسكري مفتوح لقوى إقليمية تبحث عن موطئ قدم في إفريقيا.وتشير تقديرات إلى أن كمية الشحن العسكري التي جرى نقلها عبر الجسر الجوي خلال أربعة أشهر فقط تعادل تسليح لواء كامل، تشمل عربات مدرعة وطائرات مسيّرة وقطع رادارية متطورة.
مصادر دبلوماسية في طرابلس أبدت قلقها من أن تؤدي هذه التحركات إلى زعزعة الأمن الليبي الهش، وتحويل البلاد إلى “مستودع عبور” للسلاح نحو مناطق صراع مجاورة
المثلث الحدودي… أرض بلا حاكم
المنطقة التي يصفها الباحثون بـ”المثلث الحدودي الغامض”، عند تقاطع الحدود بين ليبيا وتشاد والسودان، تعد اليوم أحد أبرز بؤر التوتر في شمال إفريقيا.
فهي منطقة شبه معزولة، تنتشر فيها ميليشيات قبلية وشبكات تهريب تنشط في تجارة الوقود والأسلحة والبشر.
وفي غياب رقابة حقيقية، أصبحت هذه المنطقة نقطة عبور آمنة للطائرات والمعدات العسكرية، حيث يصعب على الحكومات الثلاث مراقبتها أو السيطرة على مسارات الإمداد داخلها.
خبير أمني ليبي قال في تصريحات خاصة: “الجسر الجوي الإماراتي ليس جديدًا، لكنه تضاعف منذ اندلاع القتال في السودان، وشهدنا تكثيفًا للرحلات التي لا تُسجَّل بشكل رسمي في سجلات الطيران المدني، ما يجعل تتبعها أمرًا صعبًا للغاية.
“الأمم المتحدة تراقب ولكن بصمتبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، وفق مصادر مطلعة، تتابع التطورات بقلق،
لكنها لم تُصدر حتى الآن تقريرًا رسميًا حول الجسر الجوي.
خبراء يرون أن الصمت الدولي يعكس حالة توازن سياسي هش بين العواصم الكبرى التي تفضّل الإبقاء على الوضع الراهن، ما دام لا يهدد مصالحها بشكل مباشر.في المقابل، تحذر منظمات حقوقية من أن استمرار تدفق الأسلحة والعتاد عبر الأراضي الليبية سيُنعش تجارة السلاح غير الشرعية ويزيد من معاناة المدنيين في السودان، مؤكدين أن “ليبيا تُستَخدَم كمعبر، لكن الثمن سيدفعه أهلها وأهل دارفور معًا
.”خاتمة:
ليبيا في قلب دوامة النفوذما بين مطارات الشرق الليبي وساحات الصراع في السودان تمتد خيوط صراع طويل على النفوذ والثروات والمواقع الاستراتيجية.
ومع كل طائرة تقلع صامتة في الليل، تتعمق أزمة المنطقة أكثر، ويبدو أن ليبيا، التي لم تستفق بعد من سنوات الفوضى، تقترب مجددًا من أن تُستَخدَم كـ”منصة عبور” لحروب الآخرين، لا كدولة تسعى لاستقلالها واستقرارها.السؤال الذي يردده كثيرون في طرابلس وبنغازي اليوم: هل يمكن لليبيين أن يستعيدوا سيادتهم على سمائهم قبل أن تتحول أراضيهم إلى بوابات مفتوحة نحو جحيم جديد؟










