حتى صباح الرابع والعشرين من ديسمبر 2025، لم يُعلن رسمياً عن تعيين خليفة للفريق محمد أول الحداد، رئيس أركان القوات المسلحة التابعة لحكومة الوحدة الوطنية في طرابلس، ما وضع المؤسسة العسكرية في غرب ليبيا أمام فراغ قيادي بالغ الحساسية.
الحادث الذي أودى بحياة الحداد، إلى جانب رئيس أركان القوات البرية الفريق الفيتوري غريبيل ومدير جهاز التصنيع العسكري وعدد من الضباط، لم يكن مجرد خسارة لشخصيات عسكرية بارزة، بل شكّل صدمة مباشرة لبنية القيادة وأعاد إلى الواجهة هشاشة التوازنات القائمة داخل المنظومة العسكرية والأمنية.
تحركات أولية وحسابات دستورية
عقب الحادث، تحرك رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة عبر تشكيل خلية أزمة والتواصل مع الجانب التركي، في إشارة واضحة إلى أهمية البعد الخارجي، خصوصاً أن أنقرة تُعد الشريك العسكري الأكثر تأثيراً في معسكر طرابلس.
خاص: حادث أم عمل تخريبي؟ القصة الكاملة لتحطم طائرة رئيس الأركان الليبي محمد الحداد في أنقرة “فيديو”
ومع ذلك، لم يصدر أي قرار رسمي بشأن تعيين بديل، في ظل إدراك الجميع أن المنصب لا يخضع فقط لمعادلات إدارية، بل لتوازنات سياسية وأمنية معقدة. دستورياً، يعود قرار تعيين رئيس الأركان إلى المجلس الرئاسي برئاسة محمد المنفي بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة، غير أن ممارسة هذه الصلاحية عملياً تتطلب توافقاً داخلياً يصعب تحقيقه في ظل الانقسامات الحالية.
منصب يتجاوز الطابع العسكري
تكمن خطورة منصب رئيس الأركان في كونه يتحكم في مفاصل حساسة تشمل إدارة الموارد العسكرية، وتنظيم العلاقة مع تركيا، والتعامل غير المباشر مع قيادة الجيش الوطني الليبي، حيث يسيطر خليفة حفتر على هيكل عسكري أكثر تماسكاً في ليبيا.
لذلك، فإن الصراع حول الخلافة لا يتعلق باسم القائد المقبل بقدر ما يعكس تنافساً عميقاً بين قوى متعددة داخل المعسكر الغربي، تجمع بين الميليشيات المسلحة، والضباط النظاميين، والحسابات الجهوية، والتأثيرات الإقليمية.
الأسماء المتداولة بين القبول والتحفظ
في هذا السياق، برزت عدة أسماء في التداول الإعلامي والسياسي، من بينها اللواء صلاح الدين النمروش، نائب رئيس الأركان السابق، الذي يتمتع بخبرة عسكرية وعلاقات خارجية، ويُنظر إليه كشخصية تميل إلى الحياد النسبي، إلا أنه يواجه تحفظات من بعض التشكيلات المسلحة في طرابلس التي تشكك في قدرته على التعامل مع الواقع الميداني.
ومن المرشحين عبد السلام الزوبي أو يُطرح خيار تعيين شخصية من مصراتة، بالنظر إلى الثقل العسكري الكبير الذي تمثله المدينة، وهو خيار قد يساهم في تهدئة التوترات داخل المعسكر الغربي، لكنه في المقابل يثير مخاوف أطراف في طرابلس من تكريس هيمنة جهوية داخل المؤسسة العسكرية.
من هو الفريق أول محمد الحداد؟ “مهندس التوازنات” في طرابلس
إلى جانب ذلك، يبقى احتمال تعيين شخصية مقربة من الدبيبة أو المجلس الرئاسي قائماً، كحل سريع يضمن السيطرة السياسية على المنصب، وإن كان هذا الخيار يحمل مخاطر تقويض استقلالية الجيش وتعميق الشكوك بين الفصائل.
تداعيات مباشرة على توازن القوى
على المدى القصير، يضع استمرار الفراغ القيادي طرابلس في موقف أضعف أمام الشرق الليبي، لا سيما في أي مسارات تفاوضية أو عسكرية، وقد فُسرت تعزية خليفة حفتر في الحداد على أنها قراءة سياسية دقيقة للوضع ومحاولة لاستثمار اللحظة.
خسارة استراتيجية لطرابلس.. كيف سيؤثر غياب الفريق محمد الحداد على مستقبل توحيد الجيش الليبي؟
أما على المدى المتوسط، فإن إطالة أمد الخلاف حول التعيين قد تفتح الباب أمام تصعيد داخلي بين الميليشيات في غرب ليبيا، وتعطيل جهود توحيد المؤسسة العسكرية، وزيادة الارتهان لقوى خارجية أو تشكيلات مسلحة بعينها.
اختبار حاسم لمستقبل المؤسسة العسكرية
في المحصلة، تمثل خلافة الفريق محمد الحداد اختباراً حقيقياً لقدرة حكومة الوحدة الوطنية على إدارة التوازنات الداخلية والحفاظ على حد أدنى من الاستقرار العسكري. التعيين السريع لشخصية تحظى بقبول نسبي قد يحد من المخاطر ويمنع الانزلاق نحو صراع أوسع، في حين أن التأخير أو الاختيار المتحيز قد يحول المنصب إلى ساحة صراع مفتوحة، ويجعل مستقبل المؤسسة العسكرية في غرب ليبيا أكثر غموضاً من أي وقت مضى.










