دمشق – لم تعد الدبلوماسية في دمشق تقتصر على التصريحات الرسمية، بل انتقلت إلى “حرب الرموز” التي أثارت تساؤلات حادة في الشارع السوري: هل بدأت ملامح “الوصاية” التركية تظهر للعلن؟ وهل نحن أمام إعادة صياغة لجغرافيا البلاد مقابل شرعية أحمد الشرع الإقليمية والدولية؟
تفاعلت الأوساط السورية بغضب وقلق مع حدثين متزامنين أعادا طرح سؤال السيادة على الطاولة: الأول دبلوماسي تركي بعباءة تاريخية، والثاني “فني” من وزارة الخارجية السورية لكن بأبعاد استراتيجية خطيرة.
“شام شريف”.. هل استيقظت الأحلام العثمانية؟
أثار السفير التركي الجديد، نوح يلماز، جدلا واسعا باستخدامه مصطلح “شام شريف” (الشام المقدسة) للإشارة إلى دمشق. هذا المصطلح الذي ارتبط لقرون بالإدارة العثمانية للمنطقة، فسر على مسارين:

مخاوف الوصاية: رأى منتقدون أن استخدام التسمية التاريخية بدلا من “الجمهورية العربية السورية” هو تجاوز للبروتوكول، وتلميح بأن دمشق عادت لتدور في الفلك التركي، وكأنها “ولاية” تستعيد اسمها القديم.
القوة الناعمة: في المقابل، اعتبر مدافعون أن المصطلح يحمل تقديرا دينيا وتراثيا عميقا للمدينة، وهو محاولة من أنقرة لمد جسور “عاطفية” مع السوريين بعيدا عن الجمود السياسي.
خريطة سوريا بدون الجولان ولواء إسكندرون.. تنازلات صامتة؟
بينما انشغل العالم برفع “قانون قيصر”، نشرت وزارة الخارجية في الحكومة الانتقالية خريطة رسمية كانت بمثابة “الصدمة” للسوريين؛ حيث غاب عنها الجولان المحتل ولواء إسكندرون.

رسالة “حسن نية” لتركيا: إسقاط لواء إسكندرون (هاتاي) من الخرائط الرسمية لأول مرة منذ عقود، اعتبر بمثابة إغلاق لواحد من أكبر الملفات الخلافية مع تركيا، وقرئ كـ “ثمن” للدعم التركي اللامحدود للحكومة الجديدة وتثبيت نفوذها.
لغز الجولان والواقعية المؤلمة: غياب الجولان أثار اتهامات بـ “التنازل الضمني” لإسرائيل، خاصة مع التوغل الإسرائيلي الأخير في الجنوب السوري. تساءل مراقبون: هل الخريطة تعكس واقعا ميدانيا تفرضه القوى الدولية، أم أنها زلة إدارية في وقت حساس؟
هل أصبحت سوريا “محافظة تركية”؟
هذا التساؤل الذي ضجت به وسائل التواصل الاجتماعي يعكس مخاوف السوريين من تحول الاعتماد على أنقرة في ملفات الأمن والاقتصاد والسياسة إلى نوع من “التبعية الكاملة”. فبين وفود تركية رفيعة المستوى (استخبارات، دفاع، خارجية) تجوب دمشق، وبين تغيير اللغة الرسمية والخرائط، يخشى الكثيرون من ضياع الهوية الوطنية السورية في زحمة التحالفات الجديدة.
تعيش سوريا مرحلة “دبلوماسية الرموز”؛ حيث تصبح الكلمة أو الخريطة أهم من البيان الرسمي. وبين من يرى في هذه الخطوات “واقعية سياسية” لإنقاذ ما تبقى، ومن يراها “تفريطا بالسيادة”، يبقى المواطن السوري يراقب حدود بلاده وهي تعاد صياغتها في الغرف المغلقة.










