استقالة نور الدين الطبوبي من اتحاد الشغل وسط صدام مع قيس سعيّد وانقسامات داخلية
استقالة نور الدين الطبوبي من قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل تكشف عمق الأزمة بين النقابة والرئاسة، وانقسامات داخلية حادة في لحظة سياسية واقتصادية دقيقة.
في تطور يعكس عمق الأزمة السياسية والنقابية في تونس، أعلن نور الدين الطبوبي استقالته من منصب الأمين العام لـالاتحاد العام التونسي للشغل (UGTT)، في لحظة مشحونة تتقاطع فيها المواجهة المفتوحة مع رئاسة الجمهورية بقيادة قيس سعيّد مع انقسامات داخلية متزايدة داخل أكبر منظمة نقابية في البلاد.
ورغم عدم صدور بيان رسمي يوضح أسباب الاستقالة، إلا أن السياق السياسي والنقابي خلال الأشهر الماضية يكشف عن تصعيد غير مسبوق في العلاقة بين الاتحاد والسلطة التنفيذية. فقد شهد شهر أغسطس الماضي توترًا حادًا عقب محاولة مجموعة وُصفت بأنها «غريبة عن الاتحاد» اقتحام المقر المركزي للمنظمة في العاصمة تونس، مرددة شعارات تطالب بحل الاتحاد وتسيء لقياداته، وفق ما أعلنته الهيئة التنفيذية للاتحاد آنذاك.
في المقابل، نفى الرئيس قيس سعيّد أي تقصير أمني، مؤكدًا أن قوات الأمن انتشرت لحماية مقر الاتحاد ومنع الاحتكاك مع المحتجين، ورافضًا المقارنة بأحداث عام 2012، حين اتُّهمت مجموعات قريبة من التيار الإسلامي بمهاجمة نقابيين ونشطاء تحت غطاء «حماية الثورة».
ورغم إشادته المتكررة بالدور التاريخي للاتحاد العام التونسي للشغل في الحياة الوطنية، شدد سعيّد على أن «زمن الإملاءات النقابية قد انتهى»، داعيًا الاتحاد إلى الالتزام بدوره الأصلي في الدفاع عن حقوق العمال، دون التدخل المباشر في العمل السياسي. ويُذكر أن الاتحاد كان أحد أطراف الرباعي الراعي للحوار الوطني الذي نال جائزة نوبل للسلام عام 2015 لدوره في دعم الانتقال الديمقراطي بعد ثورة 2011.
اقتصاديًا، دافع الرئيس التونسي عن سياسات حكومته، مشيرًا إلى رفع الحد الأدنى للأجور بنسبة إجمالية بلغت 14.5% على مرحلتين، شملت أكثر من 1.2 مليون عامل، في محاولة لدعم القدرة الشرائية. كما تراجع معدل التضخم إلى 4.9% في نوفمبر 2025، وفق الأرقام الرسمية، رغم استمرار الضغوط السعرية في قطاعات حيوية كالنقل والصحة.
غير أن هذه الإجراءات لم تنجح في تهدئة العلاقة مع الاتحاد، الذي صعّد تحركاته الاحتجاجية، وأعلن في 5 ديسمبر عن إضراب عام جديد دون تحديد موعد، ما يعكس عمق الخلاف حول إدارة الأزمة الاقتصادية ودور الحوار الاجتماعي.
وبالتوازي مع الصدام مع السلطة، واجه الطبوبي انتقادات متزايدة داخل الاتحاد نفسه، في ظل انقسام بين تيار يدفع نحو مواجهة مباشرة مع الرئاسة، وآخر أكثر تحفظًا يحذر من عزلة المنظمة وتداعيات الصدام المفتوح على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي. هذه الانقسامات أضعفت موقع القيادة النقابية وجعلت إدارة التوازنات الداخلية أكثر تعقيدًا.
كما أثارت لقاءات الطبوبي مع ممثلين عن فصائل فلسطينية مصنّفة إرهابية لدى عدد من الدول، من بينها حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، جدلًا واسعًا داخليًا وخارجيًا. ورغم تبرير الاتحاد لهذه اللقاءات باعتبارها جزءًا من دعمه التاريخي للقضية الفلسطينية، إلا أنها زادت من حدة الانتقادات، ووفّرت مبررات إضافية لخصوم القيادة النقابية، وفاقمت التوتر مع مؤسسات الدولة.
وتفتح استقالة الطبوبي مرحلة دقيقة في مسار الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي يظل لاعبًا محوريًا في المشهد الوطني، لكنه يواجه اليوم اختبارًا صعبًا يتمثل في إعادة توحيد صفوفه، وإعادة صياغة علاقته مع سلطة تنفيذية تميل إلى مزيد من المركزية، في وقت تسعى فيه تونس للخروج من أزمة اقتصادية واجتماعية معقدة.










