كشف تقرير حديث عن آليات إيران المعقدة لتجاوز العقوبات الدولية عبر شبكة طيران مدنية سرية، تدعم الاقتصاد والعمليات العسكرية الإقليمية، وتكشف كيف حولت طهران قطاع الطيران المدني إلى أداة استراتيجية لتأمين الأسلحة وقطع الغيار وتمويل وكلائها، رغم القيود الدولية الصارمة
كشف تقرير معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS) عن قدرة إيران على تحويل قطاع الطيران المدني إلى آلية متقنة للتحايل على العقوبات الدولية، ما يجعل الطيران المدني قلبًا نابضًا في الاقتصاد الموازي، الاستراتيجية العسكرية، وتمويل وكلائها الإقليميين.
من النقل المدني إلى أداة استراتيجية متعددة الأبعاد
وفق التقرير، تحول قطاع الطيران الإيراني من مجرد خدمة مدنية إلى ركيزة استراتيجية أساسية، حيث أصبح يغطي عمليات نقل السلاح والمعدات العسكرية لشركاء طهران الإقليميين، بدءًا من حزب الله في لبنان، مرورًا بالميليشيات العراقية، وصولاً إلى شحنات أسلحة وطائرات مسيّرة إلى السودان وفنزويلا.
التقرير يوضح أن الطيران المدني أصبح جسرًا بين الاقتصاد الرسمي والاقتصاد الموازي للنظام الإيراني، مع إنشاء مسارات سرية للرحلات الجوية، تشمل هبوطًا اضطراريًا وهميًا داخل الأراضي الإيرانية لإضفاء شرعية على الطائرات القادمة دون شراء مباشر.
العقوبات الغربية وتأثيرها على الأسطول الإيراني
العقوبات الغربية، وخصوصًا الأميركية، تركزت على منع بيع، تأجير، أو صيانة الطائرات لصالح إيران، مع حظر أي معدات تحتوي على تكنولوجيا أمريكية حتى لو صُنعت خارج الولايات المتحدة.
- بحلول عام 2025، أصبح 60٪ من الطائرات المدنية خارج الخدمة.
- متوسط عمر الأسطول بلغ 28 عامًا، أكثر من ضعف المتوسط العالمي.
- اضطرّت شركات الطيران إلى تفكيك الطائرات المتوقفة واستخدام قطع الغيار داخليًا بسبب عدم توفر خدمات صيانة دولية أو تأمين.
شبكة تهريب عالمية معقدة
اعتمدت إيران على شركات وهمية مسجلة في دول ذات شفافية منخفضة مثل غامبيا، مدغشقر، كينيا، أوكرانيا، طاجيكستان، منغوليا، كمبوديا، وميانمار.
- تتم عمليات الشراء عبر تسجيل الطائرات في شركات مدنية ثم إعادة تسجيلها تجاريًا في دول ثالثة.
- بعد ذلك تُنفّذ الطائرة رحلة مخططة لتجاوز الرقابة الدولية، قبل إعلان عطل طارئ والهبوط داخل إيران.
- هذه العمليات تتم بسرعة فائقة، وهي تقنية تعرف باسم “نشاط الانفجار”، لضمان عدم اكتشاف الجهات الرقابية قبل وصول الطائرة.
الأسطول الإيراني ودوره العسكري
بعض شركات الطيران مثل Mahan Air وQeshm Fars Air تعمل كذراع لوجستي مباشر للحرس الثوري الإيراني:
- نقل الأسلحة والمعدات العسكرية.
- تمويل العمليات السرية لوكلاء إيران الإقليميين.
- تقديم غطاء اقتصادي للعمليات العسكرية، بما يضمن صمود النظام داخليًا وخارجيًا.
تأثير العقوبات وتجديد سناب باك
- مجلس الأمن أعاد تفعيل آلية “سناب باك”، لإعادة فرض العقوبات تلقائيًا بعد انتهاك إيران للاتفاق النووي.
- رغم ذلك، التقرير يؤكد أن قدرة إيران على الالتفاف على العقوبات الجوية لم تتأثر بشكل جوهري.
- العقوبات الأميركية الثانوية أُجبرت الشركات العالمية على الامتناع عن التعامل مع إيران حتى قبل إعادة فرض العقوبات الدولية، ما منح طهران مرونة أكبر في استكمال عملياتها.
تكامل الاقتصاد الرسمي مع اقتصاد الظل
التقرير يوضح أن إيران بنت شبكة مترابطة تجمع بين الدولة، السوق، والقطاع السري، تشمل:
- شركات واجهة ودول وسيطة لتسجيل الطائرات.
- مسارات جوية معقدة تسمح بالهبوط في إيران دون ملاحظة الرقابة.
- شبكات بنكية ومؤسسات مالية مرتبطة بالاقتصاد الموازي لدعم هذه العمليات.
هذا النظام يضمن استمرار النشاط رغم العقوبات الدولية، ويحول الطيران المدني إلى أداة مزدوجة: اقتصادية وأمنية في الوقت ذاته.
الصعوبات الفنية والتحديات الداخلية
على الرغم من حديث المسؤولين الإيرانيين عن استقلال صناعة الطيران، يكشف التقرير أن:
- الأسطول الإيراني يعاني من تآكل كبير في قدرات الصيانة والفنيين المؤهلين.
- الاعتماد شبه الكامل على شبكات التهريب والاقتصاد الموازي أصبح ضرورة للحفاظ على قدرة التشغيل.
- القيود على شراء قطع الغيار والطائرات تزيد من صعوبة الالتزام بالمعايير الدولية للطيران.
النتيجة: نفوذ مستمر رغم العقوبات
- الطيران المدني الإيراني أصبح ركيزة استراتيجية تمكّن إيران من تجاوز العقوبات، دعم وكلائها الإقليميين، وتمويل العمليات السرية.
- القدرة على الالتفاف على العقوبات تمثل تحديًا مستمرًا للغرب، في ظل اقتصاد ظل متكامل يمتد عبر قارات متعددة.
- تقرير INSS يؤكد أن النظام الإيراني صمّم آلية مرنة لا تعتمد على منفذ واحد، بل على شبكة عالمية مترابطة من شركات، مسارات، وبنوك تضمن استمرار النشاط رغم العقوبات.
خاتمة: الطيران المدني كقوة خفية للنظام الإيراني
ما يبدو للعلن مجرد رحلات مدنية، هو في الواقع شبكة استراتيجية معقدة، قادرة على الحفاظ على التوازن العسكري والاقتصادي للنظام الإيراني، مع تجاوز العقوبات الدولية، واستمرار دعم العمليات الإقليمية السرية، ما يجعل إيران لاعبًا لا يستهان به في المجال الجوي والسياسي العالمي.










