وثائق مسربة تكشف تحرك القوات الجزائرية حتى 50 كم داخل الأراضي التونسية والوصول للمؤسسات الرسمية، بينما تتحمل تونس جميع التكاليف
تسريب وثائق يكشف عن اتفاقية سرية بين تونس والجزائر تمنح الأخيرة صلاحيات واسعة داخل الأراضي التونسية، وتقوض خطاب الرئيس قيس سعيد القومي، ما يثير جدلاً واسعاً حول السيادة الوطنية والاستقلال الأمني.
فجرت وثائق مسربة نشرتها صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية موجة عارمة من الجدل السياسي في تونس، بعد الكشف عن بنود اتفاقية أمنية “سرية” وقعت بين تونس والجزائر في 7 أكتوبر 2025. وتمنح الاتفاقية صلاحيات غير مسبوقة للجانب الجزائري داخل الأراضي التونسية، مما وضع خطاب “السيادة الوطنية” الذي يتبناه الرئيس قيس سعيد في مواجهة مباشرة مع انتقادات المعارضة والرأي العام.
بنود مثيرة للجدل: “سيادة منقوصة”؟
كشفت التسريبات عن تفاصيل تقنية تعكس درجة عالية من التداخل الأمني بين البلدين، ومن أبرزها:
التوغل العسكري: السماح للقوات الجزائرية بالتحرك بعمق يصل إلى 50 كيلومترًا داخل الأراضي التونسية بذريعة “مكافحة الإرهاب”، وذلك بناءً على طلب من السلطات التونسية.
الوصول للمؤسسات: تمنح الاتفاقية القوات الجزائرية الحق في الوصول إلى المؤسسات الرسمية التونسية عند الحاجة، وهو بند وصفه مراقبون بأنه يمس صلب استقلال القرار الوطني.
التبعية الاستراتيجية: تلتزم تونس بموجب الوثائق بإبلاغ الجزائر مسبقاً قبل إبرام أي اتفاقيات أمنية أو عسكرية مع دول ثالثة، مما يعطي الجزائر حق “النقض” الضمني على التحالفات التونسية الخارجية.
التكاليف والتعويضات: تتحمل تونس كافة التكاليف اللوجستية والنقل والإقامة للقوات الجزائرية، مع إمكانية الدفع عبر “الموارد الطبيعية” في حال تعذر السداد النقدي.
خطاب “سعيد” على المحك
تضع هذه التسريبات الرئيس التونسي قيس سعيد في موقف حرج؛ فبينما يرتكز خطابه السياسي على الرفض القاطع للتدخل الأجنبي وصون السيادة، تظهر هذه الوثائق نوعًا من “الوصاية الأمنية” الجزائرية.
ويرى مؤرخون أن الجزائر نجحت في تثبيت دور “المرشد” أو “الأخ الأكبر” في تونس، متفوقة في ذلك على نفوذ عواصم أخرى مثل باريس والقاهرة.
ردود الفعل: بين “التحديث” و”التفريط”
الموقف الرسمي: حاولت السلطات التونسية احتواء الأزمة باعتبار الاتفاقية مجرد “تحديث” لاتفاق أمني قديم يعود لعام 2001، يهدف لتعزيز مكافحة الجريمة المنظمة.
المعارضة والشعور العام: سادت حالة من الانزعاج في الأوساط السياسية والشعبية، حيث اعتبر معارضون أن “السيادة أصبحت مسألة نسبية”، وأن بنود الاتفاقية تعكس ارتماء السلطة في أحضان المحور الجزائري بشكل يقوض استقلال البلاد.
تأتي هذه التسريبات في وقت حساس، حيث تواجه تونس تحديات اقتصادية وسياسية كبرى، مما يجعل من ملف “السيادة الوطنية” المحرك الأساسي للاصطفافات السياسية القادمة.










