برنامج دولة التلاوة تحوّل خلال أسابيعه الأولى إلى واحدة من أبرز الظواهر الإعلامية في مصر 2025، بعدما قدّم نموذجًا مختلفًا لبرامج المسابقات يعتمد على الأصوات القرآنية الشابة وروح التلاوة المصرية الأصيلة، مع جوائز تعد الأكبر في تاريخ مسابقات تلاوة القرآن في المنطقة، وحضور جماهيري واسع على الشاشات ومنصات التواصل.
ومع توالي الحلقات ووصول المسابقة إلى مراحل أكثر سخونة، تتزايد التغطيات البرلمانية والدعوية والإعلامية التي ترى في البرنامج مشروعًا وطنيًا لـ“استعادة دولة التلاوة المصرية” في العالم الإسلامي.
فكرة البرنامج وانطلاقته . “دولة التلاوة” برنامج مسابقات تلفزيوني ديني ضخم، أطلق بالتعاون بين وزارة الأوقاف المصرية والشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، بهدف اكتشاف ورعاية المواهب الشابة في ترتيل وتجويد القرآن الكريم، مع إحياء المدرسة المصرية الكلاسيكية في التلاوة.
انطلق عرض البرنامج في نوفمبر 2025، عبر حلقة افتتاحية وُصفت بـ“الانطلاقة المبهرة”، لما شهدته من أصوات جذبت الانتباه فورًا وجعلت البرنامج موضوع نقاش واسع بين المتابعين والقراء الكبار.
البرنامج لا يكتفي بمفهوم المسابقة التقليدية؛ بل يدمج بين التنافس الفني والرسالة الروحية، عبر تقديم فقرات تعريفية بتاريخ إذاعة القرآن الكريم ومدارس القراء الكبار، ما يربط الأجيال الجديدة بميراث رواد التلاوة المصريين الذين شكّلوا وجدان المستمع العربي.
هذا المزج بين “الترفيه الراقي” و“التثقيف الديني” منحه خصوصية وسط خريطة محتوى مزدحمة بالمسابقات الترفيهية الخفيفة.
آلية المسابقة والجوائز
المسابقة تستقبل متسابقين من مختلف محافظات مصر، وقد تجاوز عدد المتقدمين 14 ألف متسابق، ما يعكس حجم الإقبال المجتمعي على المشاركة في مشروع يتمحور حول خدمة كتاب الله.
يمرّ المشاركون بعدة مراحل تصفية أمام لجان استماع متخصصة، قبل الوصول إلى الحلقات التلفزيونية المباشرة التي تُبث أسبوعيًا ويُعرض فيها أربعة متسابقين أو أكثر يتنافسون في فرعي الترتيل والتجويد.
تبلغ القيمة الإجمالية لجوائز “دولة التلاوة” 3.5 مليون جنيه، يحصل الفائزان بالمركز الأول في فرعي الترتيل والتجويد على مليون جنيه لكل منهما، إلى جانب شرف تسجيل المصحف الشريف كاملًا بصوتيهما إذاعته على قناة “مصر قرآن كريم” وإمامة المصلين في صلاة التراويح بمسجد الإمام الحسين في رمضان المقبل.
كما يحصل أصحاب المركزين الثاني والثالث في كل فرع على جوائز مالية كبيرة (حتى 500 ألف و250 ألف جنيه)، بما يضمن استمرار روح المنافسة حتى خارج القمة، ويوفر منصة حقيقية لعشرات الأصوات التي تصل إلى الجمهور ولو لم تحصد المركز الأول.
لجنة التحكيم والقنوات الناقلة
يشارك في لجنة تحكيم البرنامج نخبة من كبار العلماء والقراء، بينهم الشيخ حسن عبد النبي (وكيل لجنة مراجعة المصحف الشريف بالأزهر)، والدكتور طه عبد الوهاب خبير الأصوات والمقامات، والداعية مصطفى حسني، والقارئ الشيخ طه النعماني، بما يمنح المسابقة عمقًا شرعيًا وفنيًا في آن واحد.
هذا التكوين قدّم للمتسابقين مزيجًا بين التقييم العلمي الصارم لأحكام التجويد ورؤية فنية لطبقات الصوت وأداء المقامات، إضافة إلى لغة تحكيم قريبة من الجمهور دون التفريط في المعايير.
يبث البرنامج أسبوعيًا يومي الجمعة والسبت في التاسعة مساءً عبر قنوات الحياة، CBC، الناس، وقناة مصر قرآن كريم، إلى جانب منصة Watch It التي تتيح إعادة المشاهدة رقميًا.
كما تُعاد الحلقات في مواعيد صباحية وظهرية، ما يوسع دائرة المتابعة لتشمل شرائح مختلفة من الجمهور المصري والعربي، ويحوّل لحظات التلاوة إلى مواعيد ثابتة في بيوت كثيرة.
التفاعل الجماهيري ورسالة “دولة التلاوة”خلال أسابيعه الأولى، تصدر البرنامج ترند منصة X (تويتر سابقًا) في مصر وعدة دول عربية مثل الأردن والكويت، وفق منشورات رسمية لوزارة الأوقاف احتفت بوصفه “شهادة عالمية على ريادة مصر في خدمة كتاب الله”.
مقاطع من الحلقات – خاصة تلاوات الأطفال والشباب – حصدت تفاعلات كبيرة على منصات يوتيوب وفيسبوك، مع تعليقات تشيد بعودة “الصوت المصري” للصدارة في ساحة التلاوة بعد سنوات من التراجع.
إلى جانب الجمهور، تلقى البرنامج إشادات من نواب في مجلسي النواب والشيوخ، الذين وصفوه بأنه مشروع وطني لإحياء مدرسة الترتيل المصرية وترسيخ قيم الوسطية والاعتدال، وربط الأجيال الجديدة بالقرآن عبر لغة معاصرة ومساحة تنافسية راقية.
هذه الخلفية الرسمية والشعبية تجعل “دولة التلاوة” يتجاوز كونه برنامج موسم، ليقترب من شكل مؤسسة مستمرة لصناعة قرّاء جدد يحملون راية التلاوة المصرية إلى العالم الإسلامي.
آفاق مستقبلية وأسئلة مطروحةمع اقتراب حلقات البرنامج من مراحله النهائية، تتجه الأنظار إلى الأسماء التي ستصعد إلى مرحلة التتويج، وإلى شكل المسار الذي سيُتاح للفائزين بعد انتهاء الموسم، خاصة فيما يتعلق بتسجيل المصحف والإمامة في الحسين والتواجد الدائم على شاشة “مصر قرآن كريم”.
كما تثار تساؤلات حول إمكانية تحويل البرنامج إلى ملتقى سنوي للأصوات القرآنية في العالم الإسلامي، أو إطلاق نسخ خاصة بالأطفال أو المتسابقين العرب من خارج مصر في مواسم لاحقة.
ورغم أن “دولة التلاوة” جاء في توقيت مشبع بالبرامج الترفيهية الخفيفة، إلا أن الاستقبال الشعبي القوي يرسل إشارة واضحة بأن الجمهور مستعد للالتفاف حول محتوى ديني عالي الجودة إذا قُدم باحتراف وجاذبية دون إخلال بجلال القرآن.
بهذا المعنى، تبدو المسابقة – حتى الآن – واحدة من أهم التجارب التي تحاول التوفيق بين لغة الشاشة الحديثة ورسالة التلاوة الخاشعة، لتبقى الكلمة العليا في النهاية لصوت يتلو آية بإتقان فيسكن القلوب قبل أن يُسجل أرقام مشاهدة.










