لا يزال قانون “تجريم الاستعمار” الذي صادق عليه البرلمان الجزائري بالإجماع في 24 ديسمبر الجاري، يثير زوبعة من الجدل والتشكيك في الأوساط اليمينية الفرنسية. وفي تطور لافت، خرجت مجلة “لوبوان” الفرنسية (Le Point) بادعاءات تذهب إلى أبعد من السجال التاريخي، زاعمة وجود “يد” للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في دفع هذا المسار التشريعي.
الموقف الجزائري: إجماع وطني ورسالة سيادية
على الطرف الآخر، شددت المجموعات البرلمانية في المجلس الشعبي الوطني الجزائري، في بيان لها، على أن القانون يمثل “إنجازاً تاريخياً” يعكس وعياً جماعياً بضرورة حماية الذاكرة الوطنية.
وأوضح البيان أن القانون -الذي أعدته لجنة برلمانية مشتركة برئاسة إبراهيم بوغالي- يهدف إلى إخراج ملف الذاكرة من “التوظيف الحزبي” ومنحه بعده الوطني الجامع، مؤكداً أنه رد سيادي على “السياسات العدائية” للدولة الاستعمارية السابقة.
مزاعم اليمين الفرنسي والدور التركي
في المقابل، حاولت الدوائر اليمينية في باريس نزع صفة “السيادة” عن القرار الجزائري، حيث ربطت مجلة “لوبوان” بين توقيت القانون وصراع النفوذ الجيوسياسي بين فرنسا وتركيا.
أداة ضغط: ادعى كاتب المقال أن أردوغان يوظف ملف الذاكرة الاستعمارية لتعزيز نفوذ أنقرة في المغرب العربي ومواجهة باريس.
ربط “إسلاموي”: حاولت الصحيفة نسب الدفع الأساسي للمشروع إلى نواب وصفتهم بـ”الإسلاميين” المقربين من الأجندة التركية، وهو طرح وصفه مراقبون في الجزائر بـ”الكليشيهات” التي لا تدعمها الوقائع، خاصة وأن القانون حظي بإجماع كافة الكتل (الوطنية، اليسارية، والمستقلة).
قراءة كمال داود: في سياق متصل، هاجم الكاتب الجزائري-الفرنسي كمال داود المسعى عبر ذات المجلة، متحدثاً عما وصفه بـ”أسلمة السردية التاريخية”.
أبرز مواد القانون المثير للجدل
يتضمن القانون الذي ترفضه باريس 5 فصول و27 مادة، تضع إطاراً قانونياً غير مسبوق للعلاقة مع الماضي:
جريمة دولة: تصف المادة 3 الاستعمار الفرنسي بـ”جريمة دولة”، مما يترتب عليه مسؤولية قانونية وسياسية لا تسقط بالتقادم.
قائمة الجرائم: تشمل القتل العمد، التجارب النووية، التعذيب، نهب الثروات، وطمس الهوية الثقافية والدينية.
عدم التقادم: تنص المادة 6 على أن هذه الجرائم لا تسقط بمرور الزمن، فيما تعتبر المادة 7 التعاون مع السلطات الاستعمارية “خيانة عظمى”.
يذكر أن السلطات الجزائرية كانت قد أكدت في مناسبات سابقة رفضها لأي استغلال خارجي لتاريخها في صراعات إقليمية، مشددة على أن ملف الذاكرة هو شأن “جزائري-فرنسي” خالص، إلا أن اليمين الفرنسي يصر على إقحام “العامل التركي” لتبرير التوتر المتصاعد بين ضفتي المتوسط.










