أزمة حادة تضرب مجلس القيادة الرئاسي في اليمن بعد قرارات رشاد العليمي الانفرادية بشأن حضرموت والمهرة، وانقسام داخلي يفتح الباب أمام تحركات لإطاحته وسط تصعيد سياسي وشعبي متزايد
اليمن – 31 ديسمبر 2025
دخل مجلس القيادة الرئاسي اليمني أخطر مراحله منذ تشكيله، عقب القرارات الأخيرة الصادرة عن رئيسه رشاد العليمي، والتي قضت بالانسحاب الفوري وغير المشروط لقوات المجلس الانتقالي الجنوبي من محافظتي حضرموت والمهرة، في خطوة فجّرت انقسامًا حادًا داخل المجلس، وأعادت الجدل حول شرعيته وآلية عمله، بل ودفعت أطرافًا فاعلة إلى الحديث صراحة عن سيناريو الإطاحة بالعليمي.
قرارات انفرادية تشلّ المؤسسة
مصادر سياسية يمنية أكدت أن القرارات صدرت خارج إطار التوافق المنصوص عليه في إعلان نقل السلطة، وفي ظل غياب اجتماعات منتظمة لمجلس القيادة، ما جعلها محل تشكيك قانوني ودستوري واسع. ووفق المصادر، فإن المجلس لم يعد يعمل كهيئة جماعية فاعلة، بل تحوّل إلى كيان مشلول تُتخذ فيه القرارات المصيرية بشكل فردي، وهو ما اعتُبر تعطيلًا متعمدًا للمؤسسة الرئاسية.
انقسام علني داخل مجلس القيادة
الأزمة لم تبقَ خلف الكواليس، إذ حمّل أربعة من أعضاء مجلس القيادة الرئاسي – عيدروس الزبيدي، فرج البحسني، عبدالرحمن المحرمي، وطارق صالح – رشاد العليمي المسؤولية الكاملة عن قرارات وُصفت بـ“غير الدستورية”، معتبرين أنها تخالف روح إعلان نقل السلطة وتسيء إلى علاقات اليمن الإقليمية.
وأكدت قيادات جنوبية أن هذه القرارات أسقطت عن العليمي صفة “رئيس التوافق”، وطرحت تساؤلات جدية حول أهليته للاستمرار في قيادة المجلس في هذه المرحلة الحساسة.
حضرموت والمهرة… صراع نفوذ أم ضرورة أمنية؟
في قلب الأزمة يبرز ملف الانتشار العسكري في حضرموت والمهرة، حيث تؤكد مصادر محلية أن القوات الجنوبية المنتشرة في المحافظتين ليست قوات طارئة، بل قوات حكومية لعبت دورًا محوريًا في مكافحة الحوثيين والجماعات الإرهابية، وتأمين الوادي والصحراء، وقطع خطوط تهريب السلاح والمخدرات.
وترى شخصيات سياسية وعسكرية أن سحب هذه القوات يفتح ثغرات أمنية خطيرة، خصوصًا أن حضرموت والمهرة شكّلتا سابقًا شرايين إمداد رئيسية للحوثيين، ما يجعل القضية ذات أبعاد استراتيجية تتجاوز الحسابات السياسية الضيقة.
الانتقالي الجنوبي: مرونة بلا تنازل
في المقابل، أبدى المجلس الانتقالي الجنوبي مرونة تجاه دعوات التهدئة، لكنه ربط أي تهدئة بضمان أمن محافظات الجنوب وعدم استخدامها كساحة لتصفية الصراعات داخل الشرعية. ورفض الانتقالي، وفق مصادر مطلعة، أي ترتيبات تُبقي قيادات “غير فاعلة ميدانيًا” أو تُجمّد المعركة الحقيقية ضد الحوثيين، معتبرًا أن ذلك يفتح الباب أمام تقسيم النفوذ بدل استعادة الدولة.
فشل اقتصادي وخدمي يضاعف الأزمة
بعيدًا عن الملف العسكري، تكشف الأزمة عن فشل أعمق في إدارة الدولة. مصادر اقتصادية أكدت استمرار تدهور العملة الوطنية، وتراجع الخدمات الأساسية، وفشل المجلس في توحيد الأجهزة الأمنية والعسكرية في المناطق المحررة.
ويرى مراقبون أن مجلس القيادة الرئاسي بات “بلا برنامج عمل واضح ولا أهداف قابلة للقياس”، وأن خلافاته الداخلية تحوّلت إلى صراع على النفوذ والثروة، لا مشروع وطني لاستعادة الدولة.
الشارع الجنوبي يدخل المعادلة
ومع تصاعد التوتر السياسي، شهدت محافظات المهرة وشبوة وحضرموت حراكًا شعبيًا واسعًا، عبّر عن رفض القرارات الأحادية، ودعم بقاء القوات الجنوبية باعتبارها عامل استقرار وأمن. هذا الحراك، بحسب مصادر محلية، يعكس انتقال الأزمة من غرف السياسة إلى الشارع، ما يزيد الضغوط على رشاد العليمي، ويُسرّع التداول حول سيناريوهات إعادة ترتيب قيادة المجلس أو الإطاحة برئيسه.
مجلس القيادة أمام اختبار وجودي
يؤكد محللون أن ما يجري اليوم لا يمثل خلافًا عابرًا، بل اختبارًا وجوديًا لمجلس القيادة الرئاسي. فإما العودة إلى منطق الشراكة والتوافق واحترام الإعلان الدستوري، أو الانزلاق نحو تفكك الشرعية من الداخل، في وقت لا يحتمل فيه اليمن صراعًا جديدًا داخل معسكر يفترض أنه يقود معركة استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب الحوثي.










